طوفان الأقصى والرهانات الجنائزية – صرخة للضمير الفلسطيني

+ -

إن الأمة تعيش لحظة فارقة تتعدى"طوفان الأقصى"،إنها لحظة بعث فكرة تحرير فلسطين مع كل ما تحمله من دلالات بالغة. وفي خضم هذه اللحظة المفصلية تلعببعض الأنظمة العربيةوالسلطة الفلسطينية وكذلك منظمة التحرير الفلسطينية مصحوبة ببعض النخب المثقفة لعبة رهانات "جنائزية".

رهان يعتبرونه رابحا والأقرب للتجسيد في حساباتهمحيث تشيع فيه جنازة معنويةللمقاومة ومعها جنازة حقيقيةلعدد هائلمن سكان غزة مما يؤدي حتما إلى وأد روح المقاومة ومن ثمة شهود انتصار المشروع التطبيعيالانهزامي بشكله الحالي مع تصفية القضية المركزية للأمة. رهان ليسفيه ربح إلا سراب السلم مقابل السلم من أجل حياة رفاه لا روح فيها ولا طعم لها غير طعم الثمول والتخمة وجمع المالوإشباع للغريزة، ربح مبني على حسابات أكذوبة "نهاية التاريخ" بالانتصار النهائي للغرب بمشاريعه وقيمه الزائفة لا مكان فيهللعربي وللفلسطيني خصوصا إلا كخادم تابع مذلول مطيع يكون مقبولا عندهم، أو كثائرمتعلق بهويته وكرامته يكونمعزولا مكبلا يحترق بنارضميره الحي الرافض للفناء.

رهان يعتبرونه خاسرا ومستبعدا في حساباتهمحيث تشيع فيه جنازة دولة إسرائيل الصهيونية كما تصوره مؤسسوهعند الإعلان عنه رسميا في 1948، أوكما فرضت قواعد استمراره في 1967 و1973، وهذا لايدل بالضرورة على نهاية إسرائيل كدولة قائمة في واقع النظام الدولي الحالي، مما يؤدي حتما إلى نهاية خطاب شيطنة المقاومة ومحور المقاومة،ومن ثم تسلمإيران لمشعل القضية على المستوى الرسمي على الأقل. هو رهان لا خسارة فيه إلا ضياع إسرائيل الخنجر المسموم المغروس في جسم الأمة لكنه متّكىء لمن استسلموا لوهم إمكانية التوفيق بين الانتماء للهوية العربية الإسلامية وبين الخضوع للغرب المتغطرس. خسارة حساباتها غارقة في مستنقع الفتنة الطائفية إلى حد اعتبار إيران عدوا لذودا وإسرائيل صديقا ودودا، وغارقة كذلك في مستنقع الفتنة السياسية إلى حد اعتبار حركة المقاومةخصما يستخيلالتعايش معه وإسرائيل شريكا سياسياوأمنيا مأمونا.وكلها حسابات تلتهمها نار جحيم مؤصدة في عمد تواطئات ممددة.

وبين هذين الرهانينرهاناتأخرىممكنة لم تخطر علىبال، والمفارقة الكبرى بحمد الله أن معادلة الربح والخسارة معكوسة تماما عند السواد الأعظم للأمة الذي لا زالت قضية فلسطين والأقصى حية في ضميره ولازال قادرا على التعبئة وإذابة كلالخلافاتوتجفيف مستنقعات الفتنة الطائفية والفتنة السياسيةمن أجل قضيته المركزية.

ورغم حجم القوى الوازنة في المشهد كما يرتسم في ظاهره فإن منضمة التحرير الفلسطينية وعلى رأسها السلطة الفلسطينية والتي تبدو الحلقة الأضعف تمتلك في الحقيقة بيدها السلاح الأقوى لقلب الموازينوالرجوع بالقضية إلى حاضنتها الطبيعية، دونأن ينفي ذلك دوائر الدعم والتعاطف الأوسع، والسلاح الأقوىلإرغام أمريكا على الهرولة لاستدراك ما يمكن استدركه. إنها ورقة الإعلان الرسمي عن موت أوسلو وحل السلطة ككيان إداري أفرغته ممارسات العدو من كل محتوى ذو قيمة وذلك بتواطؤ غربي كامل، ورفع اليد عن كل الأجهزة الأمنية ليعود أفرادها لفصائلهم كل حسب انتمائه، والإقرار الرسمي بالوضع الفعلي لفلسطين كدولة تحت الاحتلال وتحميل القوة المحتلة كل مسؤولياتها القانونية، وصياغة مشروع تحري وطني جديد يتميز بأذرع سياسية وعسكرية متنوعة. إنهاآخر وأقوى ورقة تمتلكها السلطة... إما أن تتدارك الأمر وإما أن تلقى نفس المصير الذي لقيتهقيادة و بعض أعضاءحزب الشعب الجزائريالذين غلب ولائهم للشخص ولائهم للقضية و للوطن عند اندلاع ثورة تحرير الجزائر المباركة في أول نوفمبر 1954 ، حيث لم يتقبلوا أن تعلن جهة لم تأخذ إذنهم في إطلاق شرارة الكفاح المسلح بل اعتبروا ذلك مغامرة غير محسوبة العواقب، فصنفوا في خانة الخيانة وقتهاوما شفع لمؤسس الحزب إلا الاعتراف له بأنه كان أول من أعاد الحياة لفكرة الاستقلال التام للجزائر عن فرنسا بعد أن كادتتضمحل في الوعي الجمعي ليعاد له الاعتبار بعد ستة عقود من الاستقلال.

هذه كلمات خطها قلم لا يمثل إلا ذرة لا وزن لها في تيار الطوفان الجارف الذي نعيشه،ليس المقصود منها عتاب لا يغني لا يسمن من جوع، بل هي صرخة لاستنهاض الضمائر العربية والفلسطينيةفي المقام الأول لأنها هي صاحبة القضية قبل أي كان،لعلا فيها َذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ فيتحمل المسؤولية ويفعل ما يستطيع للدفع في الاتجاه الصحيح.