"ازدواجية اللغة سمة الجزائريين منذ القدم"

+ -

يشرح المهتم بقضايا اللغة والتاريخ والتراث، الدكتور محمد أرزقي فراد، في مقابلة مع “الخبر”، كيفية تدريس اللغة الأمازيغية بالتدريج. ويحرص على تفادي الصدام بينها وبين العربية. ولكتابتها، يقترح إنشاء ثلاثة مخابر علمية.دسترة الأمازيغية كلغة رسمية إجراء أثار استحسان البعض ومخاوف آخرين. أنت كمهتم بالقضايا الثقافية واللغوية، كيف تقيم الموضوع؟ رغم بعض التحفظات التي قد يبديها البعض، فإن ترسيم الأمازيغية هو لحظة تاريخية لها دلالتها العميقة. ولا يختلف اثنان أن هذا المكسب هو نتاج نضال أجيال عديدة. وعلينا الآن أن ننظر إلى المستقبل، وأن نجعل العقل ينتصر على العاطفة لتفادي التسرع الذي لا يخدم المسألة الأمازيغية. ويبدو لي أن الأولوية على المدى القريب، يجب أن تنصب على العمل التربوي الهادف إلى إذابة الجليد بين الجزائريين وتراثهم الأمازيغي، والسعي لبناء جسور التواصل بينهم وبين موروثهم الثقافي والتاريخي، الذي عانى من الإقصاء لعقود طويلة، حتى صار التنكر له سمة بارزة في المجتمع. كما أن المسألة الأمازيغية أكبر من أن تحصر في إشكالية الكتابة فقط. وعلينا أن نعمل أولا على إنقاذ التراث الأمازيغي من الضياع بكل الأبجديات.علينا أن نضع في الحسبان تخوف بعض الجزائريين من أن يؤدي قرار ترسيم الأمازيغية إلى تصادم بين اللغتين العربية والأمازيغية، وعلينا أن نتعامل مع هذا الهاجس بحكمة وتأنٍ لإزالة المخاوف، كأن نبرز بالحجة العلمية العلاقة التكاملية التي سادت بينهما في الماضي، وأن نظهر إسهامات علماء الأمازيغ في بناء صرح الحضارة العربية الإسلامية، وبأن الازدواجية اللغوية في ظل الوئام هي سمة المجتمع الجزائري منذ الزمن القديم، وأن نبرز الاقتراض الكبير الذي استفادت منه الأمازيغية من الحضارة العربية الإسلامية في الشكل والمضمون. وعند ذاك يتضح للجميع أن ترسيم الأمازيغية هو بمثابة تحصيل حاصل، واعتراف سياسي بواقع اجتماعي - ثقافي معيش.البعض يرى في الإجراء تصرفا شعبويا، بسبب غياب سياسة لغوية في البلاد. علينا أن نفكر في وضع سياسة لغوية في الجزائر تُبنى على أساس التكامل بين العربية والأمازيغية، لا على أساس المجابهة والصراع. ولعل أحسن طريقة لمساعدة الجزائريين على استرجاع “وعيهم الأمازيغي”، تتمثل في إعادة النظر في البرامج التعليمية، قصد تحقيق الانفتاح، أولا، على الثقافة الأمازيغية، دون رفع الحجم الساعي للدراسة، ويمكن تحقيق ذلك عن طريق استغلال جميع المواد المقرّرة، للتعريف بالثقافة الأمازيغية، كأن تدرج مثلا بعض نصوص الكُتّاب الذين تحدثوا عن هذه الثقافة بكل اللغات.فهناك نصوص باللغة الفرنسية أنتجتها أقلام عديدة كمولود فرعون، ومولود معمري، ومالك واري، وجان الموهوب عمروش، وفاظمة ناث منصور، وجوهر مهيس، ومصطفى لشرف. وهناك نصوص أخرى لكُتّاب أجانب تضمنت جوانب من الثقافة الأمازيغية ذكرت في سياق ما كتبوه أثناء زياراتهم للجزائر في الماضي، منهم على سبيل المثال القنصل الأمريكي في الجزائر وليام شالر (1816- 1824)، والدكتور الإنجليزي توماس شاي الذي زار الجزائر في القرن 18م، والإسباني دييغو دي هايدو الذي زار الجزائر في القرن 16م، والألماني فون هاينريش مالتسان الذي زار الجزائر في أواسط القرن 19م، وغيرهم.كما أن المصادر العربية (وخاصة كُتاب الرحلة) قد تضمنت الكثير من التراث الأمازيغي في شكل أسماء أماكن وأعشاب ومحاصيل زراعية، أذكر منهم على سبيل المثال: البكري، والإدريسي، وليون الإفريقي، وابن البيطار وعبد الرزاق بن حمادوش وغيرهم. ولا شك أن إدراج نماذج منها في المواد المقرّرة المختلفة كاللغة الفرنسية، واللغة العربية، والإنجليزية، سيساعد على نشر الوعي الأمازيغي بطريقة علمية تحقق التكامل بين مكوّنات هويتنا.عمليا، الأماكن والمرافق العامة تطغى عليها العربية وبدرجة أقل الفرنسية، بحسب المناطق. قد يأخذ إدراج الأمازيغية في المجتمع زمنا طويلا. أليس كذلك؟ من المحاور المعرفية التي ستساعد الجزائريين على الاستئناس بالتراث الأمازيغي، دراسة أسماء الأماكن والأعلام ذات الجذور الأمازيغية، في مادة التاريخ والجغرافيا. فرغم تعريب الألسن، فلا زالت هناك أسماء أعلام وأسماء مدن وقرى وحقول وبساتين وأشجار وثمار، أمازيغية الأصل في كل ولايات الوطن، أذكر منها في هذا المقام على سبيل المثال لا الحصر: تلمسان وتيموشنت وتيغنيف، وأرزاو، ووهران وغليزان، وتيارت، وتيسمسيلت وشرشال، وتامزڤيدة، وأشير وسيرتة، وسوق أهراس، وتاكسانة وتمالوست، وأسوف، وتوڤرت، وغيرها. أما أسماء الأعلام فمنها هواري، ومغراوي، وزنات، ومصمودي، وتلمساني وسوماتي، وزموري، وبركاني ومقراني، ومزياني، وصنهاجي وغيرها.ويكمن أيضا استغلال مادة التربية الدينية لتذليل الصعوبات وتهيئة الأنفس لقبول التنوع الثقافي الوطني، بإدراج الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، التي تؤكد أن تعدد الألسن وتنوع الشعوب والقبائل من سنن الله في خلقه.موضوع الحرف الذي تكتب به الأمازيغية مطروح بحدة أيضا.. قضية الكتابة يجب أن يوكل أمرها لأهل الاختصاص في دراسة الألسن. فصحيح أننا ورثنا وضعية لا نحسد عليها، تتمثل في كتابة اللغة الأمازيغية بأبجديات متعددة (تيفيناغ / العربية / اللاتينية)، لكن هذه المعضلة ستتكفل بها الأكاديمية التي ستنشأ لرعاية الثقافة الأمازيغية. ومن الاقتراحات المناسبة في هذا المجال، إنشاء مخبر علمي لكل أبجدية (ثلاثة مخابر) تعطى لها إمكانات متساوية، على أن تجرى عملية التقييم والتقويم، بعد مدة زمنية معلومة. وعلى ضوء النتائج العلمية المتحصل عليها، يمكن الفصل النهائي في قضية إشكالية كتابة الأمازيغية. أما تعدد اللهجات فلا يشكل عائقا، لأن ما يدرّس في المدرسة هو “لغة معيارية جامعة” نابعة من تنوع الألسن، علما أن جميع لغات العالم المدروسة لها لهجات متنوعة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات