"بارك مول".. قصة المشروع الذي أسال الكثير من الحبر!

+ -

بدخول “بارك مول”  أكبر مساحة تجارية وترفيهية في الجزائر حيز الخدمة، بدأت تظهر بوادر ضعف كبير في تأطير المستهلك الجزائري الذي توافد بالآلاف على “المول” التجاري، وفاق عدد زواره خلال يومين فقط من افتتاحه 100 ألف زائر، من ولايات برج بوعريريج، باتنة، سطيف، المسيلة وحتى قسنطينة وبومرداس والجزائر العاصمة، ما خلق اكتظاظا مروريا غير مسبوق في جميع الطرق المؤدية إليه، الأمر الذي وضع السلطات في حرج كبير، خاصة أن موقعه مقابل مقر ولاية سطيف التي تشهد كل يوم احتجاجات من أجل المطالبة بالسكن والشغل وتحسين الأوضاع، ما حتم على مصالح الأمن كذلك أن تجند عددا أكبر من أعوانها لتأطير جموع الزوار وتطويق الاحتجاجات في آن واحد. الأكيد أن صور الازدحام الكبير بعد الافتتاح الرسمي لـ “بارك مول” خلقت مادة دسمة عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وزرعت الدهشة بشكل واضح على كل من رأى صور بعض الزبائن وهم يصعدون السلم المتحرك نحو الأسفل، والعكس، ما فضح كل السلطات التي تعمدت كل هذه السنوات التضييق على المواطن وحرمانه من كل أساليب الحياة العصرية الحديثة حتى صار لا يواكب ما يحدث حتى مقارنة مع جيراننا في تونس والمغرب، بدليل أن كل مؤسسات الاستثمار العمومية كانت ترفض مثل هذه المشاريع الضخمة في وقت سابق لأسباب واهية، مثل إشكالية غياب قاعة كبيرة الحجم لاحتضان ندوات ومؤتمرات علمية وفكرية وغيرها، ما جعل سطيف تخسر العديد من التظاهرات والمهرجانات، لعل أبرزها مؤتمر الإعجاز العلمي الذي حوّل إلى بسكرة في ثاني طبعة له بعدما كان مبرمجا بسطيف، والسبب غياب قاعة كبيرة الحجم تستطيع أن تحتضن الضيوف المشاركين، وغياب فضاءات يمكن للزوار التجول فيها، زيادة على نقص الفنادق في وقت سابق، ولو أن سطيف عرفت انفراجا في المدة الأخيرة بسبب دخول أكثر من 10 فنادق حيز الخدمة.كلمة وزير السياحة غول أثناء الافتتاح أكدت أن الجزائريين كانوا في آخر الركب، حين قال إن هذا الصرح التجاري يمهد لحياة عصرية للجزائريين الذين كانوا إلى وقت قريب مثار حسد من طرف العديد من بلدان العالم بسبب الطفرة المالية جراء ارتفاع أسعار البترول. فماذا حدث؟ وأين ذهبت كل الأموال حتى يصاب الجزائريون بالدهشة لدخول مثل هذه الفضاءات التجارية الواسعة رغم أنها تعتبر قديمة في بلدان نامية؟البداية من هناهذا الصرح التجاري الذي خرج من عنق الزجاجة لم يكن أحد يتصور أن يكون تحفة معمارية تزين وسط مدينة سطيف قبل أن يكون هيكلا إسمنتيا تتقزز منه الأنفس، والحق هنا يجب أن يقال، فلم يكن من السهل أبدا على صاحب المشروع أن يقتحم مجالا صعبا مثل هذا في ولاية داخلية كانت إلى وقت قريب توصف بأنها فلاحية، فلو تجسد المشروع في العاصمة مثلا، على غرار “مول باب الزوار” أو “أرديس” أو “كارفور” لكان من العادي جدا وصفه بـ “الصرح الكبير” في عاصمة الدولة، دون أن ننكر أن العديد من الهيئات الرسمية كانت ضد المشروع قبل أن يخرج إلى العلن، وكان لابد علينا أن نتناول قصة هذا “البرج” منذ ميلاده حتى تبين الخيط الأبيض من الأسود فيه.من مشروع سكني ضخم إلى هيكل إسمنتي تسكنه الأشباحالمشروع المملوك أصلا للصندوق الوطني للتوفير والاحتياط كان من المقرر أن يكون مجمعا سكنيا ضخما يضم العديد من المحلات التجارية وسط المدينة، وبدأ تشييده بداية سنة 2000، لكنه توقف بعد ذلك بقرار من إدارة الصندوق بعد نهاية أشغال الإسمنت الكبرى، لنية القائمين على الصندوق بيعه على حاله حتى يتسنى للمستثمر الذي قد يكون من نصيبه إدخال أي تعديلات يراها مناسبة، وهذا بعد أن عارض مسؤولون سابقون للولاية، وعلى رأسهم وزير الموارد المائية الحالي عبد الوهاب نوري أيام كان واليا على سطيف، فكرة المشروع السكني، بسبب قربه من مقر الولاية وتشويهه المنظر العام.وكان أول مهتم بشراء الهيكل الإسمنتي شركة “ميزا تيرك” التركية وصاحبة المجموعات السياحية العالمية، غير أن الأمور توقفت عند بدايتها، ليأتي بعدها دور الشركة السعودية “سيدار”، وهي الشركة التي أبدى القائمون عليها اهتماما بالغا بالمشروع، لكن الأمور توقفت بدورها خلال منتصف مارس 2005، ليتم بعد ذلك عرض الهيكل على حالته في إطار مزايدة علنية دولية ووطنية خلال شهر فيفري 2006، فتقدمت 3 شركات قدمت عروضا مالية من أجل شرائه، وهي “سيدار” السعودية، “أكسور” الكندية و“أل جي إلكترونيكس” الجزائر، وكان أحسن عرض قُدم حينها لمسؤولي الصندوق من قبل شركة “أل جي إلكترونيكس” الجزائر التي وصل عرضها إلى حدود 127.5 مليار سنتيم، ومع ذلك تراجع مسؤولو صندوق التوفير والاحتياط عن منح الصفقة للفائز بهالأسباب لم يبح بها القائمون على الصندوق، ليقرر في الأخير تحمل نفقات إتمام المشروع إلى آخره، لكنه عاد فجأة عن هذا القرار لأسباب مالية تتعلق بالتمويل، لتعود فكرة بيعه بالمزاد، فتم الإعلان عن أول محاولة لبيعه عن طريق التعهدات المختومة، بعد أن كُلفت مديرية أملاك الدولة بالولاية وبتفويض من الصندوق الوطني للتوفير والاحتياط بالقيام بعملية البيع، لكنها فشلت، إذ لم يتقدم أي من الثلاث المهتمين بشرائه الذين سبق لهم سحب دفتر الشروط، معتبرين السعر الافتتاحي المقدر حينها بـ135 مليار سنتيم مبالغا فيه.بعدها قامت مديرية أملاك الدولة بالتنسيق مع المديرية الجهوية للصندوق الوطني للتوفير والاحتياط بإعادة النظر في السعر الافتتاحي، تم بموجبها تخفيضه 5% من السعر الافتتاحي الأول، أي في حدود 122 مليار سنتيم، ليأتي الإعلان عن عرض ثانٍ نهاية سبتمبر الماضي لبيع “البرج العالي” بالمزاد العلني، فسحبت 6 شركات دفتر الشروط، في حين لم تضع مقترحاتها المالية سوى 3 شركات هي “سيفيتال” التي قدمت عرضا بـ125 مليار سنتيم، “فيوتر سيتيز” أجنبية الجنسية قدمت عرضا بـ132.5 مليار سنتيم، وشركة “بروم باتي” التي كان عرضها الأكبر وقدر بـ160 مليار سنتيم، ليعلن عندها فوزها بالمزاد، وللعلم فإن شركة “بروم باتي” مختصة في البناء والعمران، لصاحبها ابن المنطقة رشيد خنفري الذي يملك عدة شركات كبرى على غرار شركة “آغرو فيلم”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات