+ -

 إنّ الأخوة المعتصمة بحبل الله نعمة يَمتن الله بها على الجماعة المسلمة الأولى، وهي نعمة يهبها الله لمَن يحبّهم من عباده دائمًا، وهو هنا يذكّرهم هذه النعمة، يذكّرهم كيف كانوا في الجاهلية “أعداء” وما كان في المدينة أعدى من الأوس والخزرج. وهما الحيّان العربيان في يثرب. يجاورهما اليهود الّذين كانوا يوقدون حول هذه العداوة وينفخون في نارها حتّى تأكل روابط الحيين جميعًا. ومن ثمّ تجد يهود مجالها الصّالح الّذي لا تعمل إلاّ فيه ولا تعيش إلاّ معه.فألّف الله بين قلوب الحيين من العرب بالإسلام. وما كان إلاّ الإسلام وحده يجمع هذه القلوب المتنافرة. وما كان إلاّ حبل الله الّذي يعتصم به الجميع فيصبحون بنعمة الله إخوانًا. وما يمكن أن يجمع القلوب إلاّ أخوة في الله، تصغر إلى جانبها الأحقاد التاريخية والثارات القبلية والأطماع الشّخصية والرّايات العنصرية. ويتجمّع الصفّ بعد شتات تحت لواء الحقّ الكبير المتعال. قال تعالى: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} آل عمران:103.وقد ذكر محمّد بن إسحاق في السّيرة وغيره أنّ هذه الآية نزلت في شأن الأوس والخزرج. وذلك أنّ رجلاً من اليهود مَرّ بملأ من الأوس والخزرج فساءه ما هُم عليه من الاتفاق والألفة فبعث رجلاً معه، وأمره أن يجلس بينهم، ويذكر لهم ما كان من حروبهم يوم “بعاث”! ففعل. فلم يزل ذلك دأبه حتّى حميت نفوس القوم وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم. وتوعّدوا إلى “الحرّة”. فبلغ ذلك النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأتاهم، فجعل يسكنهم ويقول: “أَبِدَعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم” وتلا عليهم هذه الآية الكريمة، فندموا على ما كان منهم واصطلحوا وتعانقوا وألقوا السّلاح، رضي الله عنهم أجمعين، فهذه صورة من جهد يهود لتقطيع حبل الله بين المتحابين فيه، القائمين على منهجه لقيادة البشرية في طريقه.. هذه صورة من ذلك الكيد الّذي تكيده يهود دائمًا للجماعة المسلمة كلّما تجمّعت على منهج الله واعتصمت بحبله المتين.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات