"اليمين الفرنسي بحاجة إلى كتابات كمال داود"

+ -

قال الأستاذ أحمد دلباني، أستاذ الفكر المعاصر بجامعة بسكرة، إنه لم يكن ليعترض، شخصيا، على ما كتبه بعض المثقفين والأكاديميين ردا على كتابات الكاتب والصحفي كمال داود، لأنه لا يتفق، فعلا، مع المقاربات المتسرعة والمنظورات الثقافوية المُتجاوزة للظواهر وخصوصا عندما يتعلق الأمر بالحكم على الآخر بصورة عنصرية.يعتقد الأستاذ دلباني أن ”نقد الثقافة والدين أمر مشروع فكريا وقد كان في أساس التحديث الباحث عن استقلال العقل أمام جبروت التقاليد والمنظومات الفكرية الشمولية. نفهمُ هذا الأمر جيدا، ولكن المدخل العنصري سرعان ما يعلن عن نفسه عندما يتم الخلط بين الثقافة والإنسان الذي يحملها بصفتها طبيعة لا تاريخا”.ويرى دلباني أن رولان بارت نبهنا، ذات يوم، إلى أن الأسطورة ليست إلا تحويل التاريخ إلى طبيعة. وقال: ”علينا أن نكون أكثر وعيا برهانات الفكر الذي يتأبَّى على السقوط في أحبولة استسهال الحكم على الأشياء انطلاقا من نظر جوهراني لثقافة الآخر بمعزل عن السياقات السوسيو - ثقافية والسياسية المُعقدة التي تصنع الراهن البائس وأشكال السلوك التي تتطلب تدخلا نقديا مُتعدد المداخل يتجاوز ذلك التحليل الفينومينولوجي لوعي الشاب المُسلم القادم من ”بلاد الله”، باعتباره كائنا غرائبيا مسكونا بالقمع وهَوَس الجنس كما يرى كمال داود”.ولا يُمكنُ، حسب اعتقاد دلباني، التوقفُ عند وعي الإنسان المُسلم اليوم باعتباره وعيا لذاتٍ ترانسندنتالية مُتعالية على التاريخ الذي أنتجها، موضحا أن ”الأصولية الدينية شجرة زقوم تطلعُ في أصل الجحيم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي؛ والشباب المسلم لم يخرج من النصوص الدينية وإنما من مجمرة الواقع الخائب بكل أبعاده”.ويعتقد دلباني أن النقاش على صفحات ”لوموند” الفرنسية كان مُمتعا ومُهمّا رغم كل شيء، وإن أفضى إلى نتيجةٍ لم نكن نتمناها عندما أعلن كمال داود انسحابه النهائي من النقاش وتخليه عن الكتابة الصحفية من أجل التفرغ للكتابة الإبداعية.واعتبر دلباني أنه لم يغتبط، شخصيا، بخسارة قلم صحفي ذكي ولامع لم يصمد أمام اعتراض فكري ــ نقدي على بعض كتاباته المُفعمة، فعلا، بالنظر إلى المُسلم نظرة دونية جوهرانية تقفز على ثقل التاريخ الذي يقفُ عليه الوعي الشقي لفئات عريضة من العالم الثالث والمُستعمرات الأوروبية السابقة. وقال: ”إن الدين لا يعيش في المطلق، والوعي الراهن للشاب المُسلم لا يقفُ على فراغ، وإنما ينهل من واقع مُلتبس أنتجه الفشل العام للدولة الوطنية العربية، وخيبة الانتقال المُتزن إلى حداثة تقطع مع البنيات السوسيو ــ ثقافية البطريركية وعلاقات القوة التي ترفدُ قيم المُجتمع التقليدي المُستحضرة في سلوك الشباب المُهاجر إلى ”إلدورادو” الغرب”.     من المعروف أن الدين يلعبُ، حسب دلباني، ”دور الحاضنة التي توفر هوية جاهزة وملاذا دافئا يلتقي فيه الإنسان بنفسه بعيدًا عن عالم لا يبذل جُهدًا كبيرًا من أجل الاعتراف بكل مكوناته في إطار من العدالة والمُساواة الفعلية. إن الدين في عالمنا العربي – الإسلامي آلة استقطاب عملاقة لليائسين المُهمَّشين الباحثين عن وجود أفضل، وهو، دون أدنى شكٍ، ”قلبُ عالم دون قلب” كما كان يقول كارل ماركس بحق”.وعليه، يرى دلباني أنه ربما كان اللوبي اليميني، اليوم، فعلا في حاجة إلى كتاباتٍ مُماثلة لكتابات كمال داود في غمرة الحنين الجارف إلى فراديس الهوية المفقودة والمُهدَّدة بفعل حضور الآخر ”البربري”، موضحا: ”لقد حل ”مديحُ الحدود” محل انفتاح ”الأنوار” الكونية في أوروبا التي بلغت ”سنَّ اليأس” وأصبحت تبحثُ عن خطابٍ مُتصالح مع التوجه العام الذي أعلن، منذ مدةٍ، عن انتكاسة الحداثة الإنسانوية الكلاسيكية وعدم قدرتها على مُجابهة الواقع السَّديمي الجديد”. وختم دلباني رأيه في الموضوع قائلا: ”هذا زمن فينكلكروت لا فولتير. إن ذيوع هذه الكتابات لا يرجع إلى قيمتها الكشفية بكل تأكيد وإنما لكونها استطاعت أن تحجب الحقيقة المزعجة التي تعلنها مقارباتُ البروفيسور محمد أركون أو أوليفييه روا  تمثيلا لا حصرا”.      وفي الأخير، تمنى دلباني أن يكونَ النقاش الدَّائر حول الإسلام وواقع المُسلمين وصورة المُسلم في الإعلام الغربي اليوم نقاشا نقديا وعالما نوعا ما لا ينجرفُ ــ بصورةٍ لا واعية ــ وراء الكليشيهات المعروفة التي تحظى بانتشار واسع تحت ضغط الراهن المُلتهب بين ضفتي المُتوسط. وأوضح قائلا: ”فمن المعروف أن هناك ميلا واضحا في الغرب ــ وفرنسا تحديدًا ــ نحو التراجع عن النقد الذي يفضحُ أشكال الانغلاق الهوياتي المُنتصرة اليوم في تناول مُشكلية الإسلام باعتباره دينا وباعتباره تاريخا وحضارة أيضا”.ويعتقد أنَّ ”المنابر الصحفية لا تصنعُ الحدث الفكري وإنما تكتفي بالسجال الذي لا ينظر إلا إلى الجزء الظاهر من الجبل الجليدي لأكثر المُشكلات إثارة للرأي العام. ومن المُؤسف حقا أن تتموضع بعض الكتابات في السياق الذي أصبح يفرضه اليمينُ الثقافي والسياسي وهو يعيشُ ربيعه الانتخابي وينتعش بفعل أزمات أوروبا الكثيرة ومشاكل الهجرة لعالم عربي ــ إسلاميّ مُمزق. كل هذا أصبح يوقظ المخيال المُرعب عن الآخر ويرفدُ القراءات التي تستحضرُ أطروحات الاستشراق الكلاسيكي عن عالم إسلامي راكد جوهريا وغير مُتصالح مع الحداثة. ربما هذا هو ما أثار بعض اللغط حول كتابات كمال داود الأخيرة”.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: