"داود واجه واقعا بائسا بأطروحات شمولية عن الإسلام"

+ -

 يرى الدكتور إسماعيل مهنانة، أستاذ الفلسفة بجامعة قسنطينة، أن الخوض في المسائل التي تطرحها كتابات كمال داود يحتاج إلى الكثير من الدّقة والتوضيح، وعليه ينبغي، حسبه، توضيح ”أن كمال داود كاتب صحفي وليس باحثا أكاديميا، وهو نفسه لا يدعي أنه يكتب أطروحات أكاديمية، لكن المقولات والأحكام الثانوية في كتاباته تنتمي إلى أفق الخطاب العالِم، ولهذا فإن إعادة تدويرها في أعمدة يومية من شأنها أن تسقط بصاحبها في الكثير من التعميم المخل والاختزالية والابتسار”.لقد واجه كمال داود، حسب مهنانة، واقعا بائسا بأطروحات شمولية وتعميمية عن ”الإسلام” و«الشرق” و«العرب” وهي مقولات رجراجة ومجردة لا تقابلها واقعة معينة في الواقع، ونوع من الاستشراق المقلوب، فداخل الإسلام والشرق ثمّة تباينات وفروق وتعدد هائل يصعب تجريده داخل مفاهيم كليّة. وأوضح مهنانة قائلا: ”هؤلاء الأكاديميون الفرنسيون الذين هاجموه في بيان مشترك، هم أكثر شمولية وممارسة للوصاية الفكرية على الكتابة حول العرب والإسلام، وهم أيضا يموضعون موضوعهم و«يشرقون شرقهم”، ولا يقبلون لأي شرقي أن يتكلم عن ”الشرق” خاصة خارج مقولاتهم الثابتة والمحنّطة، ينبغي لهذا العربي أو المسلم أن يبقى صامتا حتى يفتح لهم صمته شهيّة الكلام عنه بنفس السخاء الذي يصنعون به أسطورته ويثبّتونه داخل جواهر كلسية يعلّقونها على أعمدة الجرائد، ولهذا فإن بروز عربي متكلّم عن نفسه، بلغتهم وعلى جرائدهم الأكثر سطوة، سيسحب منهم تلك السلطة المعرفية بوصفهم المستشار الحصري الذي يقدم معرفة علمية حول الشرق للقارئ الغربي”.ويجب أن نفهم، وفق تصور إسماعيل مهنانة، أن تلك التهمة الجاهزة التي صارت تُشهر في وجه كل من يتحدث لـ«الغرب” عن ”العرب” والتي مفادها أنه يقدم لهم الكليشيهات التي يودّون سماعها، هي أيضا تهمة منتهية الصلاحية، وقال: ”فـ«الغرب” المزعوم أيضا لا وجود له كوحدة منسجمة، في المجتمعات الغربية هناك اختلافات وتعدديات وهجنة لا مثيل لها في تاريخ البشرية. وفي سوق الأفكار والإعلام لا يمكنك أن تقدم هناك إلا ما تسمح به مواهبك وذكاؤك”.إن  المجتمعات الغربية في عصر التواصل، حسب  الدكتور مهنانة، لم تعد بحاجة إلى من يقدم لها كليشيهات مُستهلكة، فهو عالم يبحث دوما عن الجديد والهامشي والمنسي ولديه كل الوسائل لتحصيل معرفة دقيقة ببقية العالم. وقال: ”التهمة صارت تخفي نفاق الكثير من المثقفين المحسوبين على اليسار، أعتقد أن من يسوق هذه التهمة لإسكات الأصوات الجريئة يخفي أصولية أخرى، ولا يختلف عن  ذلك المهوس بنظرية المؤامرة التي ينبغي أن تُفسَّر، سيكولوجيا، لا أن تفسِّر الأحداث”.واعترف مهنانة بأن كتابات كمال داود تتسم بالكثير من العاطفية المتأججة والبلاغة الخالية من التفكير والحجة، شأن معظم الكتابات الصحفية، لكنه أصر على القول: ”لكن يجب تقدير أن الكتابة النضالية هي كتابة دفاعية وليست تحليلية، كما أنه من السهل جدا ممارسة التنظير برصانة وهدوء، كما يفعل هؤلاء، حين تكون مواطنا غربيا، وريثا لحضارة مكتملة البناء منذ أربعة قرون، وتحميك دولة حقيقية، وتضمن كل الحرية والحقوق ولا تشعر بأي تهديد في وجودك كما هو أمر من يكتب في بلداننا. فالموقف الموضوعي يتطلّب أيضا شروطا موضوعية للتفكير والكتابة، وهو ما لا يملكه من يختار البقاء في مجتمع لايزال أمامه طريق الحرية طويلا، خاصة حرية الضمير والكلام”.وختم إسماعيل مهنانة تحليله لقضية كمال داود قائلا: ”أتمنى أن يكون قرار كمال داود التوقف عن الكتابة الصحفية من أجل التفرغ للكتابة الروائية التي تسمح بحرية أكبر في تصريف الأطروحات على وجهة الخيال، ولكن هذا أيضا موقف ينبغي تحمّل تبعاته، وليس مهربا من الرقابة. الكتابة الإبداعية أبقى وأرسخ أثرا في الذاكرة والتاريخ من الكتابة الصحفية، وأقدر على كسر لغة الخشب”.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: