38serv

+ -

لم يعد العنف حالات شاذة في مجتمعنا، بل أصبح سلوكا يهيمن على يومياتنا بعد أن أصبحنا ننام ونصحو على أخبار الجريمة بشتى أنواعها، في البيت، في المدرسة، في الشارع وحتى في بيت الله، ولم تستثن يد الإجرام عمرا أو جنسا، فالكل يقتل والكل يُقتل و”يتفنن” في التنكيل بالجثث.لم يعد يكف أن يكون الشخص “خريج سجون” حتى تتنبأ بأفعاله وترتاب من ردود أفعاله، لتكون بأمان من أن يمتد إليك الإجرام وتختطفك المنية أو تخرج بأخف الأضرار كعاهة مستديمة مثلا، ومن أقرب المقربين أحيانا، وهو حال عائلة كانت تنام في سلام في بيتها بقرية آث عمروش ببلدية بوخليفة ببجاية، شهر ماي الماضي، ولم تصحو في اليوم الموالي لأنها أبيدت عن بكرة أبيها، والفاعل لم يكن سوى رب العائلة.أب يبيد عائلتهوفي التفاصيل، أقدم رب العائلة البالغ من العمر 44 سنة، على نحر زوجته وهي تغط في نوم عميق، ليتحول بعدها إلى الطفلة ياسمين ليقوم بذبحها كذلك بنفس السكين وتوجه إلى المهد الخشبي، حيث يرقد الرضيع بلال ليقوم بذبحه بكل برودة دم وبحث عن الطفل الثالث ولم يجده في غرفته. ولما يئس من العثور عليه خرج إلى الحي وهو ملطخ بالدم في كل أطراف جسمه وصعد إلى عمود كهربائي محاولا الانتحار دون أن يفعل، ومثل الكثير من القضايا، أرجع المقربون من الجاني دوافع الجريمة إلى معاناته من مشاكل نفسية، مثلما هو الحال في الكثير من القضايا المشابهة.ولم يختلف الأمر كثيرا في الحادثة التي شهدتها مؤخرا ولاية البويرة، عندما أقدمت أستاذة في التعليم الثانوي، معروفة بوقارها وهدوئها وأخلاقها الكريمة، على ذبح ابنتها القاصر، تاركة عائلتها الصغيرة وأقاربها وجيرانها تحت وقع الصدمة. وسبق إقدام الأم على ارتكاب الجريمة عرضها على الراق لثلاث مرات بسبب معاناتها من نوبات عصبية في الفترة الأخيرة، لكن لا أحد كان يتوقع أن الأمر سيصل بها إلى قتل ابنتها وهي الأم الحنون، ففي يوم الجريمة شوهدت وهي تصطحب ابنتها التي تدرس في السنة الأولى ثانوي إلى البيت، وكانتا يتبادلان الحديث ويبتسمان. ولم يمض وقت طويل على دخول الأم وابنتها ذات 16 ربيعا إلى البيت، حتى سمع الجيران صراخها، وكان الزوج هو الذي اكتشف الفاجعة عندما عثر على ابنته الصغرى مذبوحة، والجانية كانت والدتها التي راحت تصرخ “بأن الجن من قتل ابنتها”.حتى الإمام!لم يسلم رجل الدين أيضا من آلة الإجرام وهو يؤدي رسالته النبيلة، وهو ما حدث للإمام أفغول الحاج، إمام مسجد حي الحاج صادوق بعين الدفلى، الذي أزهقت روحه بطريقة تراجيدية، على يد جاره الشاب، الذي وجه له 7 طعنات الشهر الماضي.ووقعت الجريمة بعد انتهاء الإمام من أداء صلاة المغرب بالمصلين، عندما اقتحم منزله جاره، المعروف عنه أنه من المدمنين على المخدرات، ليوجه له 7 طعنات على مستوى القلب والصدر، أردته قتيلا، قبل أن يتركه غارقا في بركة من الدماء، ليعود إلى منزله بكل برودة أعصاب.  وتردد في الحي أن أسباب الجريمة تعود إلى أن الإمام نصح الشاب المدمن بأن يتوقف عن تعاطي المخدرات.محمد ذبح على يد جارهأطفالنا كذلك أصبحوا صيدا سهلا للمجرمين والمنحرفين، ولا يسع المقام هنا لذكر كل الجرائم التي راح ضحيتها فلذات أكبادنا في السنوات الأخيرة قتلا واختطافا وتعذيبا، لكن نشير إلى آخر قضية اهتزت لها الحميز بالعاصمة وأودت بحياة الطفل محمد بن عمر الذي كان يلهو قرب بيته وهو لا يدري أن الموت يترصده على يد جاره. كان المشهد تراجيديا، محمد يلهو مع شقيقه الأصغر والابتسامة لا تفارق ثغره.. لحظات فقط تغيّر المشهد، الجار الثلاثيني يهاجم البرعم ويطعنه على مستوى الرقبة، ليتركه يصارع الموت، وفي محاولة أخيرة يحاول الطفل النجاة بنفسه ويصعد الدرج، قبل أن يسقط جثة هامدة بين يدي والده، أما الجاني الذي تم توقيفه فتبيّن حسبما كشف عنه التحقيق أنه مضطرب نفسيا.“كاراكاج” في الثانويةالعنف يهيمن على مجتمعنا في كل الأماكن وبمختلف الأشكال، حتى خلف أسوار المؤسسات التربوية التي يفترض أنها تربي الناشئة والأجيال، لكنها لم تعد فضاء “للتربية والتعليم”، ولعل ما شهدته بعض ثانويات العاصمة في نهاية السنة الدراسية الماضية لأكبر دليل، عندما أقدم تلاميذ السنة النهائية أياما قبل امتحان شهادة البكالوريا على إدخال الألعاب النارية إلى الثانوية وقاموا بإشعالها متسببين في خسائر مادية فادحة للثانوية. وامتدت عدوى التخريب إلى مؤسسات تربوية أخرى في العاصمة وبنفس الطريقة، على غرار ما حدث في متقنة بولاية البليدة.يفقع عينه بسبب ركن السيارةركن سيارتك في المكان غير المناسب قد يوقعك أيضا في مشاكل لا تحمد عقباها قد تلازمك طيلة حياتك، مثلما وقع لشاب في عقده الثاني، يعمل محاسبا، فقد البصر في إحدى عينيه فقط لأنه ركن سيارته أمام محل لغسل السيارات.فالشاب الذي تزوّج حديثا تفاجأ وهو يهم بالخروج من سيارته في العاصمة، بصاحب محل لغسل السيارات يطالبه بتغيير مكان ركنها، قبل أن يتدخل شاب ثلاثيني طلب من الشاب مغادرة المكان، إلا أن الأمور تطورت بينهما عندما رفض الأخير المغادرة، ليتلقى الضحية ضربات على مستوى عينه أفقدته البصر.لم يرحم شيخوخة والدهالعنف الذي يعشش في منازلنا لم يستثن أحدا، فمثلما أقدم أزواج على قتل زوجاتهم وأولياء على قتل أو تعذيب أطفالهم، لا يتوانى الكثير من الأبناء على الاعتداء عن أوليائهم، وحتى من بلغوا من العمر عتيا، وهو ما حدث مع شيخ في العاصمة مؤخرا، دخل في جدال مع ابنه الثلاثيني بسبب خلاف حول الميراث، ليقدم الابن على حمل كرسي ويضرب والده بعنف، ولم يتوقف عند هذا الحد، فلم يرحم حتى والدته التي تدخلت لإنقاذ زوجها من يدي فلذة كبدها، فدفعها وأسقطها أرضا. وانتهى الأمر بالشاب في الحبس المؤقت بعد تقديمه أمام وكيل الجمهورية لدى محكمة الحراش، بعدما وجه له تهمة التعدي على الأصول.حروب الأحياءشكل آخر من أشكال العنف “زحف” إلى الأحياء، سواء الشعبية أو الجديدة التي تم بها استقبال المرحّلين الجدد، هي حروب الأحياء باستعمال السيوف والخناجر و”المولوتوف” التي أصبحنا نعيشها على مدار العام. وتبقى الأحداث التي شهدها التجمع السكني الجديد بسيدي حماد ببلدية مفتاح في البليدة، الذي احتضن مئات العائلات من المرحّلين من حي الرملي بالعاصمة في جانفي الماضي، الأكثر خطورة، فقد أسفرت عن عشرات الجرحى وخسائر مادية كبيرة.    

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات