"ندمت لاختيار فرنسا كبلد لجوء وصدمت بأسوأ معاملة"

+ -

بدموع تجري على خديها، روت اللاجئة السورية باتول حجازي مأساتها لـ “الخبر”، واصفة حالتها المؤلمة التي تعيشها هذه الأيام الشتوية التي تعرف موجة برد قارص، حيث تجد باتول نفسها رفقة طفليها في الخارج من الساعة الثامنة صباحا إلى غاية الخامسة والنصف مساء، وهو التوقيت القانوني الذي تلتزم بتطبيقه داخل مركز مخصص للأشخاص بدون مأوى التابع لـ “مصلحة 115” بفرنسا، إذ لا يمكنها البقاء بعد الثامنة صباحا دقيقة واحدة، بعد السماح لها بقضاء الليل فقط بمعية طفليها. هذا الوضع يحتم عليها وعلى فلذتي كبدها تحمل قسوة البرد الذي ينزل ما بين 4 و5 درجات تحت الصفر في الصباح الباكر، فضلا عن تبللها بالأمطار المتساقطة وحتى الثلوج وهي تتجول بين الحدائق العمومية والشوارع، في ظل غياب مكان تحتمي فيه ريثما ترد مصلحة “أوفبرا” المكلفة بمعالجة ملفات طالبي اللجوء. وأفادت باتول بأنها أودعت طلبها مباشرة بعد وصولها إلى باريس نهاية أكتوبر 2015، حيث تلقت الكثير من المساعدات من طرف أعضاء جمعية “البر” الفرانكو سورية، وخاصة نائب رئيسها محمد صديق، إلى جانب عطف عائلة فرنسية عليها والسماح لها بالإقامة عندها لمدة شهر كامل، بعدما أشفقت عليها وطفليها البالغين من العمر 7 و10 سنوات، وهي التي هربت من المعاملات غير المحترمة وغير اللائقة لإحدى الجمعيات والفيدراليات الفرنسية المكلفة بمساعدة اللاجئين.رحلة عذاب وتبخر آمالوأضافت باتول بأنها نادمة على اختيارها فرنسا كبلد لجوء بعدما خيب هذا البلد آمالها، موضحة بأن ما جذبها نحو هذه الأراضي هو كون فرنسا بلد القانون، العدالة، المساواة، احترام حقوق الإنسان والحريات، إلا أنها صدمت بالواقع المر ولم تشعر بما ذكرته على الإطلاق، مؤكدة بأنها لو كانت تعلم ذلك لاختارت بلدا آخر كألمانيا، أين يتم احترام العائلات وتوفير مأوى يليق بها، وهي الآن عالقة ولا يمكنها التراجع وقد فات الأوان بعد إمضائها على بلد اللجوء فرنسا، فلن تُستقبل في أي بلد آخر اليوم، وهي مجبرة على انتظار ساعة الفرج وسط كل هذه الظروف القاهرة، متسائلة عن طريقة معالجة الملفات، إذ تفاجأت باستلام أحد طالبي اللجوء القادمين من بلدان أخرى وثائق اللجوء، في حين كان من المفروض أن يُرد عليها مراعاة لظروفها المستعصية، وكذا بلد الحرب الذي جاءت منه، ناهيك عن خطورة الرحلة بحرا على متن قوارب الموت والإحساس القاتل بفقد طفليها في البحر بين سوريا وتركيا، حيث اعترض طريقَهم خفرُ السواحل التركية، وبعدها وصلوا إلى الجزر اليونانية، وأخيرا قطعوا المسافة المتبقية داخل الفضاء الأوروبي مشيا على الأقدام من دولة إلى دولة، فكانت حقا رحلة عذاب.فقدت زوجها وشقيقها في قصف النظاموواصلت باتول حجازي التي اعتُقلت من قبل بصفتها مغيثة تابعة لمنظمات الأمم المتحدة تساعد الجرحى وتتكفل بالأطفال بمستشفى دمشق، وهي تبكي، سرد قصتها المروعة التي أخرجتها من سوريا، بداية بفقدانها زوجها في قصف لقوات النظام مزّق الماشين في تشييع جنازة شهيد آخر إربا إربا، الأمر الذي دفعها إلى الذهاب للمكوث عند أهلها بناحية الغوطة، ووقعت هناك مجزرة أخرى راح ضحيتها شقيقها، ما اضطرها من جديد إلى حمل طفليها والبحث عن مكان آخر آمن، لكن للأسف كل بقعة في سوريا صارت بؤرة رعب وخوف ومجازر باستمرار، ما زاد من تأزم الوضع وتضاعف القصف، لتكون مجزرة الكيماوي القطرة التي أفاضت الكأس بالنسبة إلى باتول واضطرتها إلى مغادرة الشام خوفا من فقدان طفليها، بعد مساعدة والدها الذي باع كل ما يملك من أجل توفير المال لرحيل أبنائه، باستثناء الأصغر الذي فضل البقاء مع الوالد الكبير في السن.اللاجئ السوري مشروع استثماري بالنسبة للأجانبوتذمرت باتول لاستغلال الأجانب لأوضاع اللاجئين السوريين، محاولين سلبهم كل ما يملكون كأنهم أصبحوا بمثابة مشاريع استثمارية بالنسبة للجميع بمجرد تجاوز الحدود، بداية من تجار الموت من المافيا التركية الذين يتقاضون 2000 دولار عن الشخص الراشد و1500 دولار عن كل طفل، بمجموع 5000 دولار لقطع مسافة 35 دقيقة بحرا من سوريا إلى تركيا، ثم دفعت 150 دولار لخفر السواحل التركية من أجل العبور، بالإضافة إلى مبلغ 200 أورو من تركيا إلى اليونان، حيث تم إرجاعهم وعدم السماح لهم بالعبور حتى دفع كل واحد منهم 100 دولار، ومن هذه الأخيرة نحو مقدونيا 25 أورو لكل شخص، ثم من صربيا 35 أورو، وبعدها لم يتم دفع أي شيء لدى وصولهم إلى مدينة ساو، حيث طُلب منهم اختيار بلد اللجوء الذي يرغبون في التوجه إليه لتوفير الحافلات من أجل نقلهم إليها، فاختارت فرنسا، فوصلوا باريس هالكين ومفلسين وبأقدام مملوءة بالأورام، بعد قضاء 10 أيام عذاب وعناء وصرف الأموال، تخللتها 4 أيام قضوها وسط غابة بتركيا من أجل ضبط خطة الرحلة من قبل تجار البشر أو بالأحرى تجار الموت، حيث قاموا بتكديس 152 لاجئا أطفالا ونساء ورجالا في قارب يتسع لـ52 شخصا، ولا يوجد من بينهم سوى 5 لاجئين سوريين، والباقي ينحدر معظمهم من العراق وإيران وأفغانستان، ينتحل أغلبهم صفة اللاجئين السوريين، محاولين تقليد اللهجة السورية في التحدث من أجل العبور بسلام، وتعتقد باتول بأن هؤلاء مصدر المشاكل، وأن اللاجئ السوري لا علاقة له بكل المصائب التي تحدث، فهو هارب من بلد المشاكل والمجازر، فكيف له أن يفكر في ارتكاب أعمال شنيعة؟تجدر الإشارة إلى أن باتول رفضت أن نأخذ صورة لها خوفا على حياة أهلها بالشام.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: