+ -

قال رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية كلود برتولون، في حوار خص به “الخبر” قبيل حملته الانتخابية للجهويات الماضية التي تعثر فيها، إن على أوروبا إيجاد الأجوبة اللازمة من أجل امتصاص أكبر أزمة تدفق لاجئين منذ الحرب العالمية الثانية، معتبرا استقبالهم بالواجب المقدس وليس بالاختياري أو الثانوي، واصفا تصريحات رئيس حزب الجمهوريين لليمين الفرنسي التقليدي نيكولا ساركوزي بالحمقاء، ومتأسفا في الوقت ذاته من موقف رؤساء البلديات الذين رفضوا استقبال اللاجئين المسلمين، ووصفه بالفضيحة، وأن التصريحات مخزية ومخجلة.أوروبا اليوم تعيش أكبر أزمة للهجرة منذ الحرب العالمية الثانية، وهي اليوم مشتتة ومنقسمة أمام استفحال الظاهرة. فما هي الأجوبة التي يجب أن تقدمها أوروبا؟ علينا الإجابة بأحسن الطرق. أولا الجواب الأول الضروري يكمن في حسن الاستقبال والكرم، وعلى أوروبا أن تظهر بكل جدارة موروثها السياسي والفلسفي، والعمل على إحياء قيمها الإنسانية، ومن خلال وجهة النظر هذه، أتأسف حقا لمعارضة بعض دول أوروبا الشرقية بلوغ أوروبا هذا المسعى، كما أتمنى أن نعرف إقناعهم في المستقبل. وأنا جد سعيد أن فرنسا تتحكم في صفها من حيث وجهة النظر هذه. والجواب الثاني يرجع إلى السياسة الدولية، وفرنسا كانت في المقدمة للتأكيد على ضرورة هذا الالتزام السياسي والعسكري من أجل حل الأزمة السورية، ولقد تمت الضربات الجوية، وبات من الضروري اليوم حلحلة هذه الوضعية المأساوية بسوريا والشرق الأوسط بصفة أوسع، أمام تهديد تنظيم الدولة الإسلامية، ناهيك عن ديكتاتورية بشار الأسد، فعلى فرنسا وأوروبا أن تكونا صارمتين في هذه المعركة.رقم 24 ألف على مدى سنتين سوف يتضاعف حتما، لاسيما بعد الإعلان الأخير للمفوضية الأوروبية عن استقبال 160 ألف لاجئ مستقبلا. فهل تعتزم فرنسا استقبال أكثر من الرقم المعلن؟ علينا أن نتأقلم مع تطور أحداث الوضعية، وكذا التشاور مع شركائنا الأوروبيين، من أجل ملء ما يمليه علينا واجبنا تجاه اللاجئين الذين ينتظرون منا توفير الأمن والأمان لهم، وفرنسا ليس عليها أخذ أكثر من حصتها، ولكن عليها أن تأخذ حصتها كاملة، وهذا الموقف يخصني وسوف أكون مستعدا لحمله والدفاع عنه في المستقبل.كيف تحكمون على موقف بعض رؤساء البلديات في فرنسا الذين رفضوا استقبال اللاجئين المسلمين؟ ألا تعتقدون أن هذا تمييزا؟ نعم، إنها تصريحات تمييزية وفاضحة ومخزية ومخجلة. هل فقد هؤلاء الأميار الحس المشترك؟ ألم تعد لديهم ضمائر تؤنبهم على ما يقولونه؟ حقا اليمين المتطرف بصدد التسلل داخل الأدمغة اليمينية، وهؤلاء الأميار يقترحون علينا استقبال المسيحيين فقط، لكنهم نسوا الدروس الأساسية في التاريخ، إنهم التزموا سلك منحدرات ستؤدي بهم حتما إلى الهاوية.أكيد ليس كل اليمينيين في موقف ولقد سمعت ما قاله فرانسوا فيون مؤخرا عندما ذكَّر هؤلاء المسيحيين بأن المسيحية ليست مجرد هوية، وإنما الجماعة أو الطائفة الأمثل، والواجب على المنتمين إليها هو واجب نحو كل الرجال مهما كانت عقيدتهم، والكنيسة لا تعتمد خطابا مخالفا مثلما قال فيون، وأتمنى أن يكون هذا هو الخطاب الذي يحمله اليمين في المستقبل.بماذا تجيبون على الذين يقولون إن الحكومة تهتم باللاجئين أفضل من الفرنسيين؟ توماس جيفرسون أحد أوائل رؤساء أمريكا قال “كل رجل لديه وطنان، ووطنه الآخر هو فرنسا”، فمن واجبنا استقبال اللاجئين ليس فقط من أجل اللاجئين في حد ذاتهم كأشخاص، وإنما نظرا لتاريخنا، والأمر لا يستحق طرح السؤال أو المقارنة بين المعاملة مع الفرنسيين واللاجئين، فمواطنونا واللاجئون لديهم وطن واحد هو فرنسا، وإنه لواجب مقدس لاستقبالهم، ليس واجبا اختياريا أو ثانويا، وإنما هو واجب مقدس.وهذه الحجة التي سمعتم إياها هي حجة سهلة نسمعها من اليمين ومن اليمين المتطرف، وكما جرت العادة هي المنعرج الوحيد الذي يستعمله كلا منهما من أجل الزيادة في التوتر والكراهية بين الرجال والنساء الذين يعيشون على ترابنا، بسبب لون بشراتهم أو دياناتهم، وهو ما يتعلق بإنتاج حالة اللاأمن الثقافي، فبدلا من القيام بذلك كان الأجدر بهم تقديم رؤية قوية ديناميكية حول فرنسا لمواطنينا، ولا يمكننا تقبل ذلك.ما تعليقكم حول تصريحات نيكولا ساركوزي بوصفه اللاجئين بأنهم “لاجئو حرب”؟ إنها حماقة، نظام اللاجئ كل لا يتجزأ، وفرنسا تلتزم باستقبال أولئك المهددين داخل بلدانهم وكفى. بلد في حالة حرب والأقلية مضطهدة من قبل طاغية، وإذا الطاغية كسب الحرب فهل تتوقعون أنه يجب إرجاع هؤلاء المضطهدين إلى بلدانهم حتى نسهل عليه المهمة؟ إنه اقتراح سخيف وغير معقول، يجب التفريق بينهم وبين المهاجرين الاقتصاديين، هؤلاء ليسو مهاجرين مثل الآخرين، هم يرغبون في إنقاذ أطفالهم وعائلاتهم ثم ينفذون بجلدهم، ونأتي ونقول لهم نحن في ضائقة مالية ولدينا صعوبات اقتصادية إذاً ابقوا حيث أنتم واهلكوا في بلدانكم! لا هذا مستحيل.ساركوزي دليل ومنذ مدة طويلة على أن كل شيء ليس على ما يرام في اليمين، إلى حد الذهاب في اتهام المهاجرين دون ملل أو توقف بكل الأضرار، هل تعتقدون أنه يحرص على ذلك أو على شيء ما؟ هو لا يفكر في فرنسا ولا يفكر حتى في اليمين، هو يفكر بكل بساطة في معركته الشخصية ضد آلان جوبي الذي يتمتع بمواقف موزونة وأكثر كرامة. ساركوزي لا يريد إلا شيئا واحد فقط، هو أن يربح الدور الأول للانتخابات الرئاسية 2017 عند الجمهوريين، ما يجعله الناطق باسم اليمين المتطرف، وهذا غير مسموح به.هل تعتقدون أن فرنسا أخذت حصة متوازنة من اللاجئين مقارنة بألمانيا مثلا؟ القرار المتعلق باستقبال عدد اللاجئين من قبل فرنسا وألمانيا وكل شركائنا الأوروبيين هو نتيجة تشاور، ولا أجد أي سبب يضعه محل سؤال، وأكرر القول، يجب علينا أن نعرف كيف نتأقلم مع الظروف الدولية مع لعب دورنا، إلى جانب الحرص على لعب شركائنا الأوروبيين دورهم.صرحتم فيما يخص عملية ترحيل 801 مهاجر غير شرعي قبل أسابيع بباريس بأنها عملية ترحيل إنسانية، هل تعتقدون أن إيواءهم لمدة شهر واحد فقط كافٍ؟ لقد تحدثت عن عملية ترحيل إنسانية، الأشخاص الذين تم ترحيلهم رجال ونساء قابلهم رجال ونساء من الشرطة، وبالتأكيد كان يوجد من بينهم عمال اجتماعيون، مترجمون ومعلمون، عاملوهم بكل إنسانية، وهنا أذكر بأن المتطوعين من النسيج الجمعوي الباريسي يعملون منذ عدة أشهر ويواصلون العمل مع بلدية المقاطعة 18 وبلدية باريس. وهذا التنسيق تم بكل ذكاء، وهؤلاء الرجال والنساء الذين يعيشون داخل هذه المخيمات تم استقبالهم داخل مراكز للإيواء، بغية معالجة ملفاتهم مع التدقيق في وضعياتهم وتحديد إذا ما كانوا يستجيبون لنظام صفة “لاجئ”، حسبما يقتضيه القانون، أو اقتيادهم إلى الحدود. هل كان علينا تركهم في الشارع في البرد مع حلول الشتاء؟ لا، هذا ليس إنسانيا، ومن وجهة النظر هذه أنا شخصيا جد سعيد بأن أغلب الاشتراكيين على مستوى الناحية الجهوية الحالية التزموا بصرف غلاف مالي: 5 ملايين أورو من أجل استثمار المشاريع الموجهة لاستقبال اللاجئين في أحسن ظروف ممكنة، و500 ألف أورو توضع تحت التصرف للنفقات المستعجلة.اقترحتم دعما ماليا بـ300 ألف أورو لفائدة الجمعيات المكلفة بمساعدة اللاجئين. هل تم صرف هذه الأموال؟ تمت الإجراءات اللازمة من أجل صرف المبلغ، وهي الإجراءات التي أخذت مجراها، وأنا قد التزمت بهذا وسوف أحترمه، وسنعمل خلال الأسابيع القادمة من أجل توزيع 300 ألف أورو على الجمعيات المعنية، وسنحرص على أن تنفع هذه السيولة المالية اللاجئين بقدر الإمكان. وكما تعلمون، هذه ترجمة اليسار في فرنسا لتفعيل الرباط بشكل أوسع مع النسيج الجمعوي وكنز الإنسانية والكرم والاهتمام بالآخر الذي يمثله، أنا جد فخور بفرنسا، لأننا بإمكاننا أن نعتمد على سواعدنا وقلوب كل هؤلاء المتطوعين الذين يقومون بإحياء قيم فرنسا واليسار، وأنا أعتقد أنه من أبسط الأشياء أن نمنحهم دفعا إلى الأمام من أجل مواجهة فظاعة تلك المأساة في عصرنا الحالي.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: