38serv

+ -

نبش رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الجزائر في جرح عميق يذكر الجزائريين بسنوات القحط والدم والتشرد أيضا، بدعوته الحكومة إلى الاستدانة من الخارج من أجل تجاوز تبعات انهيار أسعار النفط. والجزائريون، بعد أن “تبحبحت” خزينتهم العمومية” بأموال النفط، لسنوات، صاروا، بمجرد سماعهم كلمة “أفامي”، يصابون برعشة، بينما أنصار الرئيس رفعوا عاليا، ولسنوات، شعار بوتفليقة، صاحب إنجاز محو المديونية، واسترجاع سيادة القرار الاقتصادي. لكن هؤلاء المناصرين لإنجازات الرئيس أصبحوا، اليوم، لا يخجلون من اللجوء إلى الاستدانة مرة أخرى، وأولهم بن خالفة الذي أصبح من منظري الاستدانة الجدد، عندما دعا إلى رفع طابو الاقتراض، حتى وإن كان يعي أنه يعيش في بلد، الاحتياطي به 140 مليار دولار. وتصريح بن خالفة، أمس، يحيل إلى الفهم أن مسؤول الأفامي لم ينطق عبثا لما دعا الجزائر إلى الاقتراض، لأنه يكون وجد الأرضية خصبة لتقبل المسؤولين الجزائريين ذلك بكل روح رياضية، حتى وإن كانوا يدركون جيدا أنهم يتقدمون بالبلاد إلى الوراء.النفط الجزائري سيقل السنة الجارية عن 40 دولاراالاستدانة في غضون العام القادم عكس انخفاض سعر برميل النفط، أمس، تحت سقف 40 دولارا مجددا، حيث قدر في حدود 38 دولارا للبرميل لمؤشر برنت بحر الشمال، مدى هشاشة توازنات السوق النفطي، التي تتأثر من عدة عوامل، بعضها بعيد عن أساسيات السوق، أي العرض والطلب، ويدفع هذا الوضع إلى إبقاء أسعار البترول في مستويات دنيا، لا تفي بالحد الأدنى المراد تحقيقه في مجال الإيرادات العامة لعدة بلدان، منها الجزائر.فالجزائر، وفقا لمختلف التوقعات، ستسجل عجزا قياسيا هذه السنة يتعدى عتبة 50 مليار دولار، حسب التقديرات الرسمية في قانون مالية 2016، هذا العامل، إلى جانب نضوب مرتقب لصندوق ضبط الموارد الذي قدر ناتجه في قانون مالية 2016، بـ17 مليار دولار، ولكنه سيكون أقل من ذلك بناء على متوسط سعر بترول جزائري، سيقل هذه السنة عن 40 دولارا للبرميل، هو الذي دفع هيئات دولية، منها صندوق النقد الدولي، إلى ترجيح سيناريو الاستدانة الخارجية، بناء على عدد من التقديرات من بينها تدهور معتبر لأهم مؤشرات الاقتصاد الكلي، على رأسها عجز الميزانية والخزينة، وانكماش كبير للإيرادات نتيجة انخفاض عائدات المحروقات، بنسبة لا تقل عن 45 في المائة، ولكن أيضا غياب بدائل عملية في ظل عدم تنوع الاقتصاد الجزائري، حيث لا تزال الصادرات الفعلية خارج نطاق المحروقات لا تتعدى 3 في المائة من إجمالي الصادرات.ويضاف إلى المؤشرات الكلية، الاختلالات الكبيرة في بنية الاقتصاد الجزائري، وضعف قدرات التمويل خارج دائرة البنوك، وسيادة السوق الموازية، وضعف معدل الإنتاجية. وقد بينت تجربة الالتزام الضريبي أو عملية “الامتثال الضريبي الطوعي”، الذي سعت من خلاله السلطات العمومية إلى استقطاب واسترجاع جزء من السيولة المتداولة خارج نطاق البنوك والدوائر الرسمية، ضعف هوامش حركة الحكومة التي تسعى إلى إطلاق قروض سندية، كآلية لتمويل مشاريع الشركات والمؤسسات، لاسيما العمومية منها، إلا أن قلة الثقة السائدة في الحكومة، وتآكل القدرة الشرائية، يجعل من مثل هذا المسعى، إلى جانب ضعف نسبة الفائدة القريبة من نسبة التضخم، وإشكال الفائدة “الربا” لدى شريحة كبيرة من المواطنين، سيحصر مثل هذه العمليات في الدائرة القريبة من السلطة من رجال الأعمال ومن الهيئات والمؤسسات المصرفية العمومية، ما يجعلها غير ذي فائدة كبيرة.وعلى هذا الأساس، فإن معادلة النفط والمؤشرات المالية، تفرز مضاعفات ستدفع الجزائر إما إلى تقليص مشاريعها الهيكلية إلى أدنى حد، بعد أن بدأت في إلغاء العديد من المشاريع، وإلا ستلجأ إلى بدائل منها الاستدانة للمؤسسات، داخليا وخارجيا أيضا، وهو ما تجلى من خلال مشروع مطار الجزائر الدولي الجديد وميناء الجزائر الجديد، اللذين تتكفل شركات صينية بقرض طويل الأجل في إنجازهما وتسييرهما.ويتضح أن الوضع الحالي سيصبح أكثر تعقيدا مع سنة 2017، حيث تشير التقديرات الإحصائية الحالية إلى بلوغ احتياطي الصرف مستوى 143 مليار دولار، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي، نهاية 2015، بانخفاض قدر بـ35 مليار دولار خلال سنة واحدة. وبعد أن فاقت الاحتياطيات 195 مليار دولار في بداية 2014، بدأت تعرف انخفاضا حادا، إذ فقدت، في أقل من سنتين، حوالي 53 مليار دولار. ومع استمرار انهيار البرميل، فإن مستوى احتياطي الصرف سيقل مع نهاية 2016 عن توقعات الحكومة، أي 121 مليار دولار، إلى أقل من ذلك بكثير، وإذا أضيف إليها عدم القدرة على توسيع الوعاء الضريبي أو فرض زيادات أكبر من قبل الحكومة، فإن خيار الاستدانة يبقى من بين البدائل التي ستضطر الحكومة إلى اللجوء إليها على المدى المنظور.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: