+ -

 التقت تصريحات وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، أمس، التي تحاول كسر “طابو” الاستدانة الخارجية، مع توصيات صندوق النقد الدولي التي تحث صراحة الحكومة الجزائرية على هذا الخيار، ما يعني أن إرادتا الداخل والخارج صارتا متوافقتين على المضي وراء إعادة الجزائر إلى عهد “المديونية” الذي عاشت فيه البلد “أسوأ” سنواتها.خلال سنوات حكم الرئيس بوتفليقة، وأمام “هزال” الحصيلة الاقتصادية لبرنامجه، لم يكن أنصار الرجل الأول للبلاد يجدون من وسيلة للدفاع عن حصيلته إلا التأكيد على “حكمة الرئيس” في تسديد المديونية الخارجية التي كانت تشكل عبئا كبيرا على كاهل الموازنة العامة للدولة، فضلا عن كونها تضعف من سيادة الجزائر على قراراتها الاقتصادية، لصالح دول نادي باريس وباقي الدائنين الذين يستعملون في العادة الديون كوسيلة ضغط وسيطرة على ضعفاء العالم. ورغم أن تسديد المديونية لم يكن وليد عبقرية اقتصادية أو طفرة في فوائض القيمة، بل كان نتيجة ظرف دولي خاص قفزت فيه أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة في التاريخ، إلا أن كثيرا من الجزائريين تعاطوا بالإيجاب مع سياسة الرئيس بوتفليقة، لأن زوال المديونية كان يمثل بالنسبة لهم نهاية عهد عاشوا فيه الويلات سنوات نهاية الثمانينات وبداية التسعينات، مع قصص إعادة جدولة الديون والشروط المجحفة التي تفرض مع كل دولار يأتي من الدول الدائنة، وعلى ذلك طبقت في الجزائر عدة سياسات حملت في جزء منها بصمة الخارج، مثل تسريح آلاف العمال وخوصصة المؤسسات العمومية وتخفيض قيمة الدينار، ما أدى إلى انهيار كلي للقدرة الشرائية وازدياد الفقر بمستويات كبيرة، فكانت الضريبة الاجتماعية هائلة على الجزائريين، لكنهم صبروا إزاءها في مواجهة خطر الإرهاب الأعظم الذي كان يهدد كيان الدولة حينها.في تلك الفترة، وجدت الجزائر نفسها، كما يروي وزير سابق في الحكومة، غير قادرة على شراء باخرة قمح، وكانت المديونية خيارا لا مفر منه، بعد مواجهة البلاد لصدمة بترولية (1986) لم تكن الدولة الجزائرية المستقلة حديثا متعودة عليها. وبعد أكثر من 25 سنة، تجد البلاد نفسها في نفس الظروف، مع الفارق في أن الأزمة هذه المرة لم تكن مفاجأة، فالكثير من الخبراء والأحزاب تنبأوا بها وحذروا منها، لكن الحكومة لم تكن تأخذ ذلك مأخذ الجد، وكانت مستمرة في سياسة إنفاق وتبذير، غير متماشية مع طبيعة الوضعية المالية “المؤقتة” التي عرفتها البلاد، على اعتبار أن 98 بالمائة من المداخيل تأتي من قطاع المحروقات الذي تخضع أسعار مواده لحسابات دولية تتجاوز الجزائر.وإزاء هذا الوضع، يقدم صندوق النقد الدولي، اليوم، توصياته التي تفوح منها رائحة نهاية الثمانينات، مقترحا على الجزائر العودة إلى الاستدانة الخارجية، مع الحزمة التي ترافقها كالاتجاه نحو خوصصة المؤسسات العمومية دون تفريق بين قطاعات استراتيجية وغيرها، وهي كلها إجراءات، في حال تطبيقها بشكل حاد وغير مدروس، ستنعكس على الجزائر سلبا، بسبب طبيعة اقتصادها الذي لم ينجح في تقديم البديل العملي للقطاع العام، إذ لا يزال القطاع الخاص، على كثرة الحديث عنه، قطاعا ريعيا بامتياز يعتمد على الاستيراد بنسبة كبيرة في الصناعات التي يشتغل بها. يكفي فقط التذكير في هذا الصدد بأن نسبة الإدماج التي تقيس المساهمة الوطنية في المنتوج تبقى ضعيفة جدا في أغلب المنتوجات، مثلما يذكر الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول.الجديد في اقتراحات الأفامي، أنها وجدت آذانا صاغية من وزير المالية، عبد الرحمن بن خالفة، الذي رافع مطولا، أمس، في الإذاعة الوطنية، لصالح رفع “طابو” القرض الأجنبي، مرسما توجها يمثل انقلابا جذريا في سياسة الحكومة التي كانت ترى في المديونية الخارجية من المحرمات التي لا يجوز الاقتراب منها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: