+ -

مدح الله سبحانه وتعالى المتواصين بالحقّ والصّبر والمَرحمة فقال: {وَالْعَصْرِ. إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} العصر:1-3. وإنّ التّواصي سُنّة إلهيّة نبويّة، أوصانا الله سبحانه وتعالى بوصايا، وأوصانا نبيّه صلّى الله عليه وسلّم بوصايا، وأمرنا تعالى أن نتواصَى فيما بيننا، وأوصانا نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم بالتّواصي كذلك. الوصية هي عهد وكلام وأمانة يفارق عليها الإنسان مَن أوصاه، والتّواصي بالحقّ من أسباب حِفظ الحق، بأن يبقى الحقّ معروفًا بيِّنًا، متناقلاً بين الأب وأولاده، والأخ وإخوانه، والإمام ومَن يُصلّي وراءه، والمسلمين عمومًا عندما تكون سُنّة التّواصي بينهم قائمة يبقى الحقّ معروفًا وإلاّ ضاع.وإنّ التمسُّك بالحقّ لا يُمكِن إلاّ بصبر؛ لأنّ الحقّ صعب، وهناك تحديات؛ لأنّ التمسّك بالحقّ فيه معاناة، وخصوصًا في زمن الفتنة، فلا بدّ من صبر على التمسّك؛ حتّى لا يبقى مجرّد علم غير معمول به، ولذلك قال الله تعالى: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، الصّبر على طاعة الله، الصّبر عن معصية الله، الصّبر على أقدار الله المؤلمة، ثمّ التّواصي بالمَرحمة، المرحمة أن يرحم النّاس بعضهم بعضًا، يلين بعضهم لبعض، يعطف بعضهم على بعض، وبهذه الثلاثة يكمل دين النّاس، التّواصي بالحقّ، والتّواصي بالصّبر، والتواصي بالمَرحمة.يوجد في كتاب الله عزّ وجلّ أنواعًا من الوصايا، منها وصية لقمان لابنه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} لقمان:13، ثمّ زرع الخوف في نفس الولد من الله {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ} لقمان:16، وبعد التّوحيد أوصاه بالعبادات {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} لقمان:17، ثمّ تهيئة الولد للمستقبل وإعطاؤه الوظائف {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} لقمان:17، ثمّ تهيئته لمصادمة أهواء الآخرين {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} لقمان:17، وبعد إقامة الصّلاة والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر، جاءت قضية الأخلاق {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} لقمان:18، ثمّ ذكر له أصول الحِكمة وقواعدها عند الكبار {وَلاَ تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ. وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} لقمان:18-19.وكذلك وصانا الله عزّ وجلّ بالوالدين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا} الأحقاف: 15، كما أوصانا الله تعالى في الوصايا العشر: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام:151-153.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات