نصف المساجين الجزائريين يعـودون إلى الجريمة

+ -

أضحت التجمعات السكنية والأحياء الشعبية مطوقة بخطر المسبوقين قضائيا ومحترفي الإجرام، فالعقوبات السالبة للحرية لم تعد رادعا للمدانين بعشرات الأحكام السابقة وحاملي لقب “مسبوق قضائيا”، لقب لطخ وثيقة سوابقهم العدلية لكن بالمقابل منحهم “امتيازات”.“بوزيرو” مجرم خطير من ولاية تيبازة، سلبه القاضي حريته وأمر بإبقائه وراء القضبان لمدة ثلاث سنوات، قضى منها سنتين ونصف ثم فتحت له أبواب السجن ليلتحق بعائلته، ولم تمض سوى سويعات حتى وجد في طريقه طفلا سائرا نحو المسجد لصلاة العشاء، ليستدرجه ويغتصبه. أما “المنفي” فقد استفاد من العفو في الخامس جويلية، فاقتحم شقة صهره وذبحه، ثم سلم نفسه للدرك الوطني. هي نماذج لمجرمين تمردوا على الأحكام القضائية واعتادوا التردد على مؤسسات إعادة التربية.لقب المسبوق مصدر نفوذبحذر شديد، اقتربت “الخبر” من بعض المسبوقين لتسألهم عن أسباب العودة إلى الجريمة، فكانت آراؤهم مختلفة، لكنهم اتفقوا على أن “لقب المسبوق” يكسبهم المكانة التي عجزوا عن افتكاكها بالعلم والدراسة والمال والنفوذ.“كريم. ط”، مهندس مسبوق في قضية تزوير وثائق صفقة في إحدى بلديات تيبازة، قال في حديثه إلينا إنه من خلال احتكاكه بمسجونين في قضايا مختلفة، توصل إلى أن الكثير منهم ينزع إلى الإجرام لهدف واحد، وهو تسجيل الحضور في المحيط السكني، فحينما يفشل هؤلاء في تكوين شخصية مستقلة دراسيا أو مهنيا أو تجاريا، فإنهم يختارون الجريمة لتقليص الفوارق الاجتماعية من خلال بحثهم عن تحسين مظهرهم الخارجي أو اكتساب حقوق أو فرض وجودهم بالتخويف والترهيب، ولا يتوقفون عن تكرار الجرائم للغرض ذاته. تتعزز وجهة نظر “كريم” بأمثلة حية قدمها لنا مسبوق آخر يدعى “محفوظ”، هذا الأخير قضى خمس سنوات في سجن البرواڤية عن جناية ارتكبها، فقال إن المجتمع حاليا لا يحترم إلا من يخافه الناس، وضرب مثلا بعمليات الترحيل التي أشرفت عليها السلطات بولاية الجزائر وولايات أخرى، حيث كانت، حسبه، بمساعدة ميدانية من رؤساء العصابات والمسبوقين، وأقسم بأن بعض المنتخبين وأعضاء اللجان كانوا يتوسلون للمسبوقين بتهدئة الأوضاع ووعدوهم بشقق وامتيازات استرضاء لهم، وبالتالي أصبح المسبوق طرفا رئيسيا في القضاء على البؤر السكنية الفوضوية وتسهيل عمليات الترحيل الـ24 التي شهدتها العاصمة.بالمقابل، كان لهذه الفئة نصيب وافر من الشقق لهم ولأقاربهم، وهو ما يمكن الوقوف عليه ميدانيا أثناء عمليات إعادة الإسكان، حيث تجد الكثير من المسبوقين يرافقون عمليات التوزيع والتوجيه، وأمام هذا الوضع المختل، يقول محدثنا، يعيش المراهقون هذه الحقيقة وتنطبع في نفوسهم الرغبة في سلوك الطريق الإجرامي من أجل ترهيب المسؤولين وافتكاك الحقوق بهذه الطريقة.وفي هذا الشأن يقول محمد المقيم بحي الجميلة بعين البنيان إن المسبوقين في كل ربوع الوطن شركاء وأصدقاء بعض المنتخبين، حيث يذكر أنه كان متواجدا في سجن الحراش سنة 2011 وكان بجانبه مجرم خطير من بلدية مجاورة روى له بأن منتخبين كانوا يسهلون له الاستيلاء على قطع أرضية وتشييد بنايات فوضوية فوقها وبعد ذلك يقوم ببيعها، فيما كان مسبوقون آخرون يضغطون على مسؤولين إداريين من أجل تسهيل حصولهم على رخص استغلال الحظائر الفوضوية والفضاءات العمومية لشراء صمتهم، وكانت تلك الطرق تكسب المسبوقين عائدات مالية معتبرة، ولهذا فإنهم، يقول محمد، لن يتخلوا عن النهج الإجرامي كأسلوب حياة.العيش للأقوى والسيطرة للأكثر إجراماأما مسبوق آخر من بلدية بوهارون، فيؤكد أن المسبوق أصبح عنصرا حيويا في المحيط، مشيرا إلى أن المنطقة شهدت عدة حوادث رفعت من شأن المسبوق، مشيرا مثلا إلى أن من يحاول اقتحام الأنشطة التجارية على الرصيف دون أن يكون له جماعة مسبوقين تسنده وتدافع عنه فهو مغامر بحياته، ولهذا يحاول الكثير من الشباب أن يفرض وجوده هناك من خلال “الاستقواء” بألقاب مرعبة حتى يفتك مكانة في الوسط الإجرامي وتفتح له الأبواب. كما قال المتحدث أيضا إن منتخبا محليا كان يوزع المزايا والسكنات في وقت سابق، وحينما يحتج المقصون على قوائم السكن والمحلات يستعين هذا المنتخب بأقاربه المسبوقين ويوجههم للدفاع عنه لصد جماعات أخرى، ما كون لدى الفئات الصغرى فكرة أن اكتساب الحقوق المادية المكفولة دستوريا يمر حتما عبر بوابة السجن في حال انعدمت الطرق العادية، وهو ما حدث في بلدية الدواودة البحرية، حيث رضخ مسؤولون محليون بالبلدية والدائرة لشروط فرضها عليهم ثلة من المسبوقين لاقتسام أرصفة الطريق الوطني رقم 11 وتحويلها إلى حظائر فوضوية، فيما حاز الكثير منهم الموافقة على إقامة أنشطة تجارية عبر إقليم الاختصاص بمباركة شفهية من القائمين على الشأن المحلي، بغرض الاستعانة بهم في تمرير مواسم الاصطياف دون مشاكل ورغبة من المسؤولين في تحويل هؤلاء المسبوقين إلى جدار صد ضد عصابات أخرى.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: