الأزمة الحالية تحتِّم على الجزائر التّعامل مع المالية الإسلامية

+ -

تستعد الجزائر خلال الأيام المقبلة للانفتاح على “التأمين الإسلامي” أو ما يُسمّى “التأمين التكافلي”، وذلك بعد الإشارات الّتي أعطاها وزير المالية عبد الرّحمن بن خالفة للمختصين في المجلس الوطني للتأمينات لتنظيم الاستشارات الخاصة بهذا الموضوع، وتقديم مقترحات قانونية ليتم اعتمادها للانفتاح على “المالية الإسلامية”. ولمزيد من التوضيح كانت لنا لقاءات مع بعض المتخصّصين، منهم المدير العام لشركة “سلامة” للتأمينات بن عربية محمد، والباحث الجزائري المتخصّص في مجال المالية الإسلامية في ماليزيا الدكتور يونس صوالحي، والأكاديمي المتخصّص الدكتور سليمان ناصر.الأستاذ بالأكاديمية العالمية للبحوث في المالية الإسلامية الدكتور يونس صوالحي لـ “الخبر” “أصول التأمين الإسلامي تتراوح بين 10 و12 مليار دولار”أفاد الدكتور يونس صوالحي، الخبير الجزائري وكبير الباحثين بالأكاديمية العالمية للبحوث في المالية الإسلامية بالعاصمة الماليزية كوالالمبور، أنّ التأمين الإسلامي، بوصفه “تعاونيًا”، يمكنه أنيلعب دورًا في التكافل الاجتماعي لتغطية بعض الأخطار، بدل الاتكال كليا على الدولة.  وأكّد في حوار خصّ به “الخبر” أنّ بإمكان التأمين الإسلامي أن يلعب دورًا أساسيًا في خلق اقتصاد أخلاقي وحمايته من أخطار الرّبا والميسر والغشّ والفساد، منبّهًا إلى أنّ النقص في البنية التحتية للتأمين الإسلامي في الجزائر يجعلها بعيدة جدًّا عن مواكبة سوقَي الخليج وجنوب شرق آسيا اللذين ذهبَا بعيدًا في تطوير هذه الصناعة الواعدة.هل يمكن أن توضّح نشأة التأمين التكافلي (التأمين الإسلامي)؟❊ نشأ التأمين التكافلي استجابة لرغبة كثير من العلماء والمهنيين وقطاع معتبر من العملاء الذين يرغبون في التأمين ضد الأخطار التي يتعرّضون لها وفق أحكام الشريعة الإسلامية. ولقد كان السودان سبّاقًا إلى تأسيس أول شركة تأمين تكافلي عام 1979 من قبل بنك فيصل الإسلامي السوداني، قبل أن يتحول قطاع التأمين برمّته إلى التأمين الإسلامي عام 1992، ثم بادرت دبي بتأسيس الشركة الإسلامية العربية للتأمين عام 1979. ولقد كان لتحريم التأمين التقليدي من قِبل مجمع الفقهي الإسلامي عام 1985 أثر بالغ في تبنّي نظام التأمين الإسلامي في الخليج وجنوب شرق آسيا من حيث التشريعات ونطاق التغطيات التأمينية المسموح بها، فتأسّست شركة “تكافل ماليزيا” عام 1984، والشركة الوطنية للتأمين التعاوني في السعودية عام 1985، والشركة الإسلامية للتأمين وإعادة التأمين في البحرين عام 1985، وشركة التأمين الإسلامية في الأردن عام 1996، وشركة أمان للتأمين التكافلي في لبنان عام 2002، وبيت التأمين المصري السعودي في مصر عام 2003، وغيرها من شركات التأمين المباشر التي فاق عددها 200 شركة عبر العالم مع حلول عام 2016، وهي موزعة عمومًا على سوقي الخليج وجنوب شرق آسيا. أما أصول التأمين الإسلامي فتتراوح بين 10 إلى 12 مليار دولار أمريكي، مع توقعات وصول حجم الأصول إلى 20 مليار دولار أمريكي مع حلول عام 2020. وممّا دفع إلى تبنّي نظام التأمين الإسلامي، تلك المزايا التي تجمع بين التغطية على الأخطار المتنوعة، والاستثمار، والاستفادة من الفائض التأميني من طرف المستأمنين، بالإضافة إلى المطابقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، يضاف إلى ذلك عوامل اقتصادية كالناتج المحلي العام للفرد الواحد، ومؤشر الأسعار، ومعدلات الادخار والمستوى الثقافي للعملاء.ما هي الأسباب الّتي تجعل التأمين التجاري غير متوافق مع الشريعة الإسلامية، وتحريم التأمين التقليدي؟ جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي (جدة) لعام 1985 أن التأمين التقليدي حرام بسبب اشتماله على الغَرَر. والغَرَر كما يُعرّف فقهًا هو ما كان مجهول العاقبة، وغالبًا ما يفضي إلى النّزاع في عقود المعاوضات. والتأمين التقليدي عقد “معاوضة” بين شركة التأمين والمستأمن، حيث تقوم الشركة ببيع التغطية التأمينية للمستأمن وفق شروط محدّدة في بوليصة التأمين. ويبرز الغَرَر في التأمين التقليدي في أمرين: الأوّل هو الجهل بتحقّق الخطر محل التغطية التأمينية، فقد يتحقّق وقد لا يتحقّق أثناء سريان مدة التغطية، والثاني يتعلّق بمقدار التعويض الواجب دفعه للمستأمن من طرف الشركة حال حصول الخطر المؤمَّن منه.ويجب التنبيه إلى أن الغَرَر موجود أيضًا في التأمين الإسلامي لكنه مغتفر شرعًا، لأن القاعدة الشرعية تقضي بأن الغَرَر لا يؤثّر في عقود التبرعات، والتأمين الإسلامي قائم على التعاون والتبرع، وليس قائمًا على المعاوضة كما هو الحال في التأمين التقليدي، أي أن المستأمنين متعاونون في تغطية أخطار بعضهم البعض، وما الشركة إلاّ وكيل عن المستأمنين في إدارة صندوق التأمين الإسلامي واستثمار موجوداته، إما عن طريق الوكالة أو المضاربة الشرعية.وهل دخل التأمين الإسلامي إلى الجزائر؟ يعتبر التأمين الإسلامي في الجزائر شبه معدوم، فلا توجد شركات تأمين إسلامية إلا شركة واحدة، وهي شركة مساهمة اعتمدت من قِبل وزارة المالية عام 2006 ومعظم أسهمها مملوكة لشركة إماراتية. ويرجع صغر حجم سوق التأمين الإسلامي في الجزائر إلى عدّة عوامل، أهمها فقدان الإرادة السياسية من طرف أصحاب القرار، وقلة وعي العملاء بالفروق الجوهرية بين التأمين الإسلامي والتأمين التقليدي، وتدني رواتب شرائح واسعة من المجتمع، وقلة الكوادر البشرية المؤهلة، وعدم وجود تشريع خاص بالتأمين الإسلامي، وعدم أهلية القضاء للنظر في قضايا التأمين الإسلامي، وعدم وجود مراكز التحكيم، ومكاتب الوساطة المختصة في فض نزاعات التأمين الإسلامي، وعدم تطور النظم المعلوماتية، وعدم كفاءة وشرعية سوق رأس المال لاستثمار موجودات صناديق التأمين الإسلامي، وعدم وجود بنوك إسلامية كافية تُسوّقُ من خلالها منتجات التأمين الإسلامي، وقلة كفاءة الوكلاء والسماسرة في جذب العملاء، وانعدام مراكز التدريب لتكوين المتخصص المهني في التأمين الإسلامي، والمستشار الشرعي الذي يجمع بين العلم الشرعي والدراية الفنية بتقنيات التأمين.كل هذا النقص في البنية التحتية للتأمين الإسلامي في الجزائر يجعلها بعيدة جدًّا عن مواكبة سوقي الخليج وجنوب شرق آسيا اللذان ذهبَا بعيدًا في تطوير هذه الصناعة الواعدة.فما سبب عدم اهتمام الجزائريين بالتأمين الإسلامي كاهتمامهم بالمصرفية الإسلامية؟ وهل تعتقد أن التأمين التكافلي باستطاعته مواجهة التحديات الّتي تهدّد البلاد؟❊ يهدف التأمين الإسلامي عمومًا إلى تحقيق هدفين رئيسين: الحماية ضدّ أخطار محدّدة في بوليصة التأمين وتمثلها منتجات التأمين العام، كالتأمين على المركبات، والتأمين ضد الحريق، والحوادث الخاصة، وبالتالي يعود المستأمن إلى الحالة الاقتصادية التي كان عليها قبل وقوع الخطر المؤمّن منه، كما يهدف أيضًا إلى تشجيع الادخار والاستثمار، من خلال منتجات التأمين على الحياة، والتأمين لمصلحة الغير، وفي ذلك تقوية للمراكز المالية للأفراد، فضلاً عن تنمية أموالهم التي تساهم في تحريك الإنتاج وعجلة الاقتصاد. وتظهر أهمية التأمين الإسلامي على صعيد القطاعات الاقتصادية الوطنية كالمحروقات، والزراعة، والتجارة، والصناعة حيث إن كلاّ منها في حاجة إلى التأمين في حالتي الانتعاش والانكماش. ففي حالة الانتعاش يقوم التأمين بحماية عناصر الإنتاج للقطاعات المذكورة إسهامًا في دعم وتيرة التنمية الاقتصادية. أما في حالة الانكماش فيقوم التأمين بتعويض خسائر القطاعات الحيوية ذات التأثير البالغ على الاقتصاد الكلي. وإذا أخذنا الوضع الاقتصادي الراهن للجزائر بعد انهيار أسعار البترول، فإن التأمين الإسلامي بوصفه تعاونيًا يمكنه أن يلعب دورًا في التكافل الاجتماعي لتغطية بعض الأخطار بدل الاتكال الكلي على الدولة. فيمكن لجماعة المستأمنين في شركة التأمين الإسلامي التأمين ضدّ أخطار الفساد الّتي تستفحل في الأزمات المالية، كالسرقات، وخيانة الأمانة، والغش، وفقدان الوظيفة، وفشل الاستثمارات، والعجز عن سداد الديون. ومن ناحية أخرى، يتجنّب التأمين الإسلامي تغطية الأخطار المتعلقة بالفقاعات المالية المسبّبة للأزمات المالية، كالتأمين على الرهون العقارية التي يمكن توريقها وتداولها في الأسواق الثانوية، وهو بالضبط ما تسبّب في شبه انهيار كامل لشركات تأمين أمريكية كبرى كشركة “إي. آي. جي AIG” التي سجّلت خسارة تقدر بحوالي 25 مليار دولار فيما يعرف بأزمة الرهن العقاري التي حدثت عام 2008. وحري بالقول إنّه يمكن للتأمين الإسلامي، في مجتمع مسلم كالمجتمع الجزائري، أن يلعب دورًا أساسيًا في خلق اقتصاد أخلاقي وحمايته من أخطار الربا والميسر والغش والفساد، وكلّها تقف حجر عثرة في وجه تحريك الموارد الاقتصادية بطريقة فعّالة، وتخصيصها بشكل عادل ومحقّق للتنمية المستدامة.الأستاذ سليمان ناصر لـ “الخبر” “فتح التأمين والبنوك الإسلامية سيجلب الملايير المكتنزة” أكّد الخبير الجزائري المتخصص في البنوك والمصرفية الإسلامية الدكتور سليمان ناصر، أنّ مسؤولين في البنك المركزي وفي وزارة المالية لا يزالون يتخوّفون من أيّ نشاط له طابع إسلامي.وأشار الدكتور سليمان ناصر في تصريح لـ “الخبر” إلى أنه بالرغم من أنّ أصول المصرفية الإسلامية في العالم قدّرت بحوالي تريليوني دولار سنة 2015، وأصول التأمين الإسلامي تتراوح ما بين 10 و12 مليار دولار، إلاّ أنّ المسؤولين الجزائريين لا زالوا يربطون تخوّفهم من أيّ نشاط له طابع إسلامي بالمرحلة الّتي مرّت بها الجزائر خلال العشرية السوداء حين استخدم الدّين لأغراض سياسية، وبالتالي يشير إلى اعتقادهم هنا خطئا أنّه استخدام للدّين لأغراض اقتصادية أيضًا.وشدّد المتحدث بأنّه كان من المفروض ألاّ يكون تفكيرهم بهذا الشكل، وهو تخوّف في غير محله، مشيرًا إلى أنّ العالم كلّه بما في ذلك الدول الغربية فتحت المجال للمعاملات المالية الإسلامية حاليًا، لاقتناعها بجدواها، كما قامت بوضع التشريعات والقوانين للعمل بحرية، ونفس الشيء بالنسبة لجيراننا، فالمغرب مثلاً سنّ قانونًا بنكيًا جديدًا منذ 2014، وفيه أبواب تسهل إنشاء وعمل البنوك الإسلامية وتسمّيها “البنوك التشاركية”، إلى جانب تفكيره في سن قانون لتنظيم إصدار وتداول الصكوك الإسلامية، وعلى نفس النّهج تقريبًا سارت تونس.ونفى الأستاذ بكلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير بجامعة قاصدي مرباح في ورقلة، أن يكون السبب في تأخر الجزائر في هذا المجال جهل المشرّع الجزائري بالمعاملات المالية الإسلامية، لأنه يستطيع أن يستعين بالخبراء الجزائريين الّذين يفيدون حاليًا دولاً أخرى، وهم مستعدون لإفادة بلدهم في هذا المجال.ورغم أنّ أصول المصرفية الإسلامية في العالم حاليًا تبلغ حوالي تريليوني دولار، وأصول التأمين الإسلامي تتراوح ما بين 10 و12 مليار دولار، أكّد البروفسور سليمان ناصر أنّ الوقت أضحى مواتيًا للسلطات في الجزائر للتعامل وفقًا للمالية الإسلامية بشكل عام (بمكوناتها الثلاثة: البنوك الإسلامية، التأمين الإسلامي، الصكوك الإسلامية) للخروج من الأزمة الاقتصادية الّتي تعصف بها من جهة، ومن جهة أخرى احترامًا لدين ومعتقدات الشعب الجزائري المسلم.ونبّه المتحدث السلطات الرسمية إلى أنّ هناك أموالا مكتنزة لدى الأفراد لا يريدون وضعها لدى البنوك التقليدية خوفًا من اختلاطها بالأموال الربوية، ويرغبون في استثمارها وفق الضوابط الشّرعية، مشيرًا إلى أنّه لو فُتِح المجال لإنشاء المزيد من البنوك الإسلامية وشركات التأمين الإسلامي في الجزائر، وأكثر من هذا أن نضع لها الإطار القانوني للعمل بحرية، فإن هذا سيساعد في جلب الملايير المكتنزة إلى البنوك، خاصة أنّ الدولة تعاني حاليًا من شحّ في الموارد بعد انهيار أسعار النفط، وأضاف أنّ هذا ما تسعى إليه الحكومة حاليًا، بوضع كلّ الإغراءات لنجاح هذه العملية، ولكنّها فشلت في ذلك.المدير العام بالنيابة لشركة “سلامة” للتأمينات بن عربية محمد لـ “الخبر” “التأمين الإسلامي وُلد في الجزائر وتأخر كثيرا فيها”❊ أكّد بن عربية محمد، المدير العام بالنيابة لشركة “سلامة” للتأمينات، أنّ الجزائر سجّلت تأخّرًا كبيرًا بالنسبة لكلّ دول العالم في اعتماد المصرفية والتأمين بالصيغة الإسلامية، مشيرًا إلى أنّ الجزائر التي كانت تنظم ملتقيات الفكر الإسلامي كلّ سنة انطلق منها تأسيس الهيئة المكلّفة بتحديد المعايير المحاسباتية وغيرها وفق الشّريعة الإسلامية.وأفاد بن عربية محمد لـ “الخبر” بأنّ الدولة الجزائرية رغم هيمنتها على الاقتصاد الّذي ورث القانون الفرنسي بعد الاستقلال، فإنها في الثمانينات قامت أو ساهمت في تأسيس بنك “البركة” بنسبة كبيرة، وهو ما يؤشّر على أن الدولة لم تتحفّظ بخصوص هذا الأمر. وأضاف أنّ السلطات العمومية لم تكن ضدّ تأسيس المؤسسات المالية الإسلامية، مشيرًا إلى وجود “بعض العراقيل” في القوانين سارية المفعول، والّتي “تشكّل عائقا لتطوّر المالية الإسلامية”، محدّدًا هذه العراقيل في أنّ “القانون الجزائري وُضِع على أساس القانون الوضعي ذي الطابع العالمي” الّذي “لا يحترم بعض الضّوابط الشّرعية”.وأفاد المدير العام بالنيابة لشركة “سلامة” أنّ وزير المالية أعطى إشارات بطريقة رسمية على أساس أنه سيكون هناك انفتاح على المالية الإسلامية، إلى جانب طلب وزارة المالية، عبر مديرية التأمينات، من المجلس الوطني للتأمينات القيام بتنظيم الاستشارات الخاصة بهذا الموضوع، وتقديم مقترحات قانونية ليتم اعتمادها للانفتاح على المالية الإسلامية، بالإضافة لتكوين لجنة للتفكير والتنسيق مع كل الأطراف المعنية لتقديم مقترحات للوزارة لتأخذها بعين الاعتبار لإثراء هذا القانون، والتحضير لاجتماع المجلس الوطني للتأمينات يوم 28 جانفي المقبل

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات