38serv

+ -

كتب رياض محرز اسمه بأحرف من ذهب في سجل الأبطال في أقوى بطولات كرة القدم في العالم، بعد أن صار أول لاعب عربي وإفريقي يتوّج بجائزة لاعب العام في “البريميرليغ” منذ بعث هذه الجائزة سنة 1973. انضم اللاعب الجزائري لسجل النجوم الكبار الذين تم تكريمهم بهذه الجائزة السنوية من طرف نقابة اللاعبين المحترفين (التي تقوم بالتصويت) والتي ضمت أسماء من العيار الثقيل مثل الحارس الأسطوري لمنتخب إنجلترا بيتر شيلتون (1978)، نجمي ليفربول في الثمانينات كيني داغليش (1983) وأيان روش (1984)، هداف إيفرتون غاري لينكير (1986)، أسطورة نادي مانشستر يونايتد إيريك كانتونا (1994) ومواطنه تيري هنري (2003) و(2004) والنجم العالمي كريستيانو رونالدو (2007) و(2008).ودخلت الجزائر، بفضل محرز، الحلقة الضيقة للبلدان “المتوجة” بفضل نجومها في هذه الجائزة بعد كل من إنجلترا المتوجة في 18 مناسبة وبلاد الغال (6 مناسبات)، وفرنسا (4 مناسبات)، وأسكتلندا وإيرلندا وهولندا (3 مناسبات) وأخيرا إيرلندا الشمالية والأورغواي وبلجيكا (مرة واحدة).وكانت الأورغواي، بفضل لويس سواريز، البلد الوحيد من خارج القارة الأوروبية التي حظيت بشرف هذا اللقب، قبل أن تلحق بها الجزائر بفضل محرز، ما يدل على قيمة هذا التاج الذي عجز عن الظفر به نجوم كبار مروا عبر هذه البطولة مثل الفيل الإيفواري ديديي دروغبا وزميله السابق في المنتخب الإيفواري يايا توري، أو النجم الغاني مايكل إيسيان، وصولا إلى النجم الأرجنيتي وهداف “المان سيتي” سيرجيو أغويرو.ولم يكتف محرز بتلميع صورة اللاّعب الجزائري في المملكة البريطانية، بل جعل كل العالم يتحدث عن اللاّعب الذي خطف النجومية من كبار اللاّعبين الأوروبيين وغير الأوروبيين، كون الجائزة لم يسبق وأن نالها سوى لاعب واحد من خارج القارة العجوز، ونعني به الأوروغواياني لويس سواريز، اللاعب السابق لنادي ليفربول والحالي لنادي برشلونة، ما يجعل من محرز، بهذا التتويج، لاعبا غير عادي، وهو مؤشر واضح على علوّ كعبه.محرز الذي أصبح أيضا، بلغة الأرقام المحلية، ثاني لاعب جزائري ينال جائزة أفضل لاعب لبطولة عالية المستوى، بعد تتويج علي بن عربية كأحسن لاعب في البطولة الفرنسية سنة 1999 عقب موسمه الاستثنائي مع بوردو الذي رشحه للّعب، في الموسم الموالي، لنادي باريس سان جرمان، بصدد رفع قيمة اللاّعب الجزائري في “السوق العالمية للاّعبين”، مجسّدا بذلك قيمة المنتخب الجزائري المشارك في المونديالين الأخيرين، والذي بلغ، مع محرز، في نهائيات كأس العالم الأخيرة الدور الثاني، وكان ذلك بمثابة إنجاز تاريخي.تتويج محرز بالجائزة الشهيرة، سيفتح آفاقا جديدة للدولي الجزائري، ويجعله محل اهتمام من طرف كبار النوادي الأوروبية، في وقت تراجعت فيه أسهم غالبية اللاّعبين الجزائريين في أوروبا، عدا إسلام سليماني، ولم يقو العديد منهم على قيادة أنديتهم للتتويج بالألقاب أو جعل الأندية الكبيرة تتهافت عليهم أو حتى تحقيق أرقام شخصية تصنفهم في خانة اللاّعبين الكبار.قياس قيمة اللاّعب الجزائري وتسليط الضوء على إنجازاته، لم يعد مقتصرا، بعد تتويج محرز، على التمريرات الدقيقة ونسبة المشاركة في المباريات، أو حتى المشاركة في المنافسات الأوروبية مع أندية مصنّفة صغيرة، وقد رفع نجم ليستر سيتي سقف التحديات عاليا للاّعبين الجزائريين، وهو سقف يراهن على بلوغه مهاجم سبورتينغ لشبونة، إسلام سليماني، صاحب الأهداف الكثيرة والحاسمة مع فريقه، وفشل في بلوغه قبلهما ياسين براهيمي مع نادي بورتو البرتغالي، على الرغم من المؤشرات القوية التي رشحته ليكون مشروع نجم كبير، قبل أن يخطف منهما رياض محرز ومن كل اللاّعبين الجزائريين والأفارقة والعالميين النجومية في موسم استثنائي سيُدخل به ناديه “الصغير” تاريخ “البريمر ليغ” من الباب الواسع.سجل جائزة لاعب العام خلال  السنوات العشر الأخيرة2006: ستيفن جيرارد (إنجلترا- ليفربول)2007: كرستيانو رونالدو (البرتغال – مانشستر يونايتد)2008: كرستيانو رونالدو (البرتغال – مانشستر يونايتد)2009: رايان غيغز (بلاد الغال – مانشستر يونايتد)2010: واين روني (إنجلترا – مانشستر يونايتد)2011: غاريت بيل (بلاد الغال- توتنهام)2012: روبن فان بارسي (هولندا- مانشستر يونايتد)2013: غاريت بيل (بلاد الغال – توتنهام)2014: لويس سواريز (الأورغواي – ليفربول)2015: إيدين هازار (بلجيكا- تشيلسي)2016: رياض محرز (الجزائر – ليستر سيتي)رياض محرز.. القصة الكاملة قصة رياض محرز هي قصة أقرب للخيال لشاب جزائري تحدى كل الصعاب والمعوقات، ليتحوّل من لاعب مغمور لواحد من أكبر نجوم الكرة في بريطانيا، بعد أن أطاح بأهدافه وفنياته بعقول الجماهير والنقاد وزملائه اللاعبين الذي نصبوه الأفضل على الإطلاق خلال الموسم الجاري.ولد محرز في ضاحية سارسيل في باريس قبل 25 عاما، وهو أحد الأحياء الأكثر بؤسا في العاصمة الفرنسية وتوفي والده، أحمد، وهو ما زال في الثانية عشر من عمره، وهو ما شكل له صدمة كبيرة بالنظر لعلاقته الوطيدة مع والده.سارسيل.. الماضي والحاضرولم يقطع محرز علاقته بمسقط رأسه سارسيل، فقد اعتاد على الذهاب هناك لتكون وجهته الأولى حلاّق وصديق الطفولة نسيم، وهو حلاّق جزائري أيضا وهو نقطة الربط الأول بين محرز وماضيه. ويقول نسيم: “طوال الوقت، يطلب مني الأطفال، بسن الخامسة والسادسة، أن أقص لهم شعورهم مثل محرز. ويأتي الكثير من الزبائن إليّ بسبب رياض.. يأتون من بلجيكا ومن كل مكان. أعرف كل قصات شعره، وهو دائما ما يغيرها.. ودائما ما يقلده الناس.. كأنه كريستيانو رونالدو في سارسيل”.وتابع نسيم: “غيّر (محرز) فريقه والبلد، لكنه لم يغير نظامه اليومي أبدا، ما زال يلتقي بأصدقائه، ودائما ما يزور سارسيل، رياض هو رياض، إنه فتى رائع، أنا سعيد جدا لأجله، كان أمرا خارقا عندما رأيته في إنجلترا، يواجه فريق تشيلسي، ويتسبب في طرد مورينيو (مدرب الفريق آنذاك)، يقشعر بدني حين يحرز رياض هدفا، أشعر بحاجة للبكاء عندما أراه يلعب”.والتحق محرز في بداياته بنادي إي إي إس سارسيل، عام 2004، وهو نادٍ يلعب بطولة الهواة هناك ويقول هايل مبيمبا، أحد زملائه السابقين في الفريق، إنه كان يلعب كرة القدم “طوال اليوم وكل يوم تقريبا، عندما ننتهي من التمرين مع الفريق، كان يتوجه إلى صالة الألعاب الرياضية في سارسيل... والرياضة، وخصوصا كرة القدم، هي الوسيلة للابتعاد عن الشارع والانجراف إلى طرق أخرى”.وتابع: “ربما خلال الأشهر القليلة القادمة قد نبني ملعبا جديدا ونسميه باسمه. أتمنى أن نفعل ذلك. رياض مثال يحتذى، ومصدر إلهام للشباب”.“كيمبي” تُبكي “لاعب الشوارع”انتقل محرز من سارسيل إلى فريق كيمبي، الذي يقع في مدينة قديمة تُعرف بكتدرائيتها الأخاذة، وفي عام 2009، حاول الفريق الاستفادة من الشاب صاحب الـ18 ربيعا، الذي اعترف بأنه “لاعب شوارع”، لكنه لم يقدم له عقدا لعدم وجود ما يكفي من المال.وبحسب كريستوف مارشان، الصحفي الفرنسي الذي يغطي أخبار كيمبي، فقد “أجهش رياض بالبكاء وهو يتحدث إلى والدته عبر الهاتف. ورأى رئيس النادي الموقف، ووقّع له عقدا بعد 24 ساعة”، هذه الدموع هي التي ساعدته لاحقا في الوصول إلى البطولة الأقوى والمشاركة مع “الخضر” في كأس العالم.وعاش رياض في تلك الفترة برفقة اللاعب ماثياس بوغبا، شقيق بول بوغبا، نجم جوفنتوس والمنتخب الفرنسي، في شقة صغيرة في وسط المدينة، وكان يتنقل من وإلى التدريبات بصحبة صحفي محلي لأنه لم يستطع القيادة. ويقول بوغبا عن محرز كرفيق في السكن: “لم أتوافق معه في البداية لأنه لم يكن منظما، وأنا شديد النظام، اعتاد أن يأكل ويترك طبقه. وكان عليّ أن أهذبه، وأصبح الأمر جيدا بعد شهرين أو ثلاثة. وكنا نتبع حميه غذائية شديدة السوء، كنا نأكل اللحم المحمر والبطاطس المقلية. وعشنا حياة الطلبة كشابين لا يستطيعان الطبخ”. رياض جوهرة حتى في الوحلوتابع: “اعتبرته أخي الأصغر، كنت أنصحه حتى ولو لم يستمع للنصيحة، ولا يمكن إيقافه إن أمسك الكرة، وكنت دائما ما أقول له إنه بحاجة لزيادة وزنه لأنه كان شديد النحافة، لا يوجد لاعب في نحافته حاليا، لكنه أصبح أكثر مهارة لذا، لا يحتاج لاستخدام جسمه”.ويقول رونان سالاون، مدرب محرز في كيمبي: “نظمنا يوما للتدريب، ولعبنا مباراة ودية مع عشرين لاعبا، واحتفظنا برياض فقط، أدركت حاجتنا إليه بعد عشرين دقيقة فقط، ورغم وجود بعض المشاكل في بنائه الجسماني، لكن لديه مهارات متميزةّ” وتابع: “كان جوهرة حتى في الوحل”. ويقول جو دورفال، أحد أعضاء مجلس الإدارة في كيمبيه، إن محرز وصل إلى النادي “ومعه حقيبة بها ثلاثة أشياء فقط: فرشاة أسنان، ومعجون، وأحذية كرة القدم. كما أحضر قدمه اليسرى التي يكمن فيها سر مهارته، لكنها لم تكن في الحقيبة”.من لوهافر إلى ليستر وبداية النجوميةوكان رياض يبلغ 19 عاما عندما انضم إلى لوهافر في 2010 وكانت الأشهر التالية نقلة كبيرة له، إذ عمل المدرب إريك مومبايرتس على تطوير وعيه باللعبة ومهاراتها.  وكانت البداية مع الفريق الرديف، حيث تألق وسجل 10 أهداف جعلته يظفر بعقد احترافي يمتد لثلاث سنوات، ليرفع رصيده إلى 24 هدفا بعد موسمه الأول، لكن التألق مع الفريق الرديف لم يرافقه نفس الأداء مع الفريق الأول في بطولة الدرجة الثانية الفرنسية خلال أول موسمين، إذ لم يكن يلعب إلا نادرا لغاية الموسم الثالث، وهذا بحجة تواضع لياقته البدنية، قبل أن يحصل على فرصته مع المدرب مومبارتس الذي وثق بإمكاناته في الموسم الأخير له مع لوهافر. وفي جانفي 2014، انتقل رياض من نادي لوهافر إلى ليستر سيتي في صفقة بقيمة 400 ألف جنيه إسترليني، بقيادة نايجل بيرسون، وثبّت اللاعب الجزائري أقدامه في الفريق الأساسي بعد فوز ليستر في البطولة وصعوده للقسم الممتاز، وهو ما صاحبه دعوة المنتخب الأول عشية نهائيات كأس العالم بالبرازيل، حيث لم يبد أي تردد في تلبية دعوة مدرّب المنتخب الجزائري آنذاك، وحيد حاليلوزيتش، وتحقيق أمنية والده الراحل بحمل الألوان الجزائرية.موسم 2015/2016 كان محطة تحوّل كبرى في مسيرة رياض وجعلته يأخذ سمعة “عالمية” بفعل الأهداف التي سجلها وتلك التي صنعها وحتى بالطريقة التي “عذب” بها مدافعي “البرميرليغ” لتتهاطل عبارات الثناء والمدح وتتوج بجائزة أفضل لاعب للموسم عن جدارة واستحقاق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: