+ -

يتحدث المخرج الفرنسي فرنسوا مارغولين الذي شارك المخرج الموريتاني لمين ولد سالم في إنجاز فيلم “سلفيون”، وهو الفيلم الذي أثار جدلا في فرنسا وصل إلى حد قرار منع عرضه تحت سن 18، عن ظروف تصوير الفيلم وأهمية العمل الذي تم تصويره في مالي وموريتانيا وتونس بين العامين 2012 و2015، ويصف المخرج الفرنسي لـ “الخبر” موجة الجدل التي أثارها الفيلم ووصلت إلى حد تبني الوزير الأول الفرنسي مانويل فالس القرار بـ “المثيرة للسخرية”، مشيرا إلى أن قضية فيلم “سلفيون” اليوم لا تزال في أروقة المحاكم الفرنسية.بين العنوان ومضمون الفيلم، نجد أنفسنا محاصرين بين الحديث عن أحكام الإسلام، وبين فئة من المتطرفين. لماذا هذا التناص في فيلم “سلفيون”؟ لم ننجز فيلما عن الإسلام، إنه فيلم حول بعض السلفيين، نعرف الكثير عن منظمات السلفية في العالم، كنت مهتما بإعداد فيلم عن الحركة السلفية في أفغانستان منذ حوالي 15 سنة عندما كنت في مهمة تصوير فيلم عن حركة طلبان، وهو فيلم “أفيون طالبان” الذي أنجزته عاما قبل وقوع أحداث سبتمبر 2001، وقد رحلت إلى عدة مدن بأفغانستان وحتى باكستان من أجل ذلك الفيلم، أما فيلم “سلفيون” ففكرته قديمة ولا أعتقد أنه يزعج الإسلام، لأن هدفي في الفيلم ليس الحديث عن الإسلام أصلا، اليوم أصبحت حركة السلفيين تصنع الحدث بقوة في العالم ونسمع أخبارها كل يوم، لهذا ليس من الغريب أن نجد أن بعض نشرات الأخبار في فرنسا تخصص ما مدته 20 دقيقة من أصل 30 دقيقة للحديث عن الحركات السلفية المتنوعة التي اكتسحت العالم، في العديد من المساجد بأوروبا ودول الساحل.الهدف هو فتح نقاش جدي خصوصا في فرنسا، وليس في أوروبا فقط ولكن حتى في الدول الإسلامية، حول هذه الموجة من التطرف التي اكتسحت العالم، خصوصا في ظل الاستراتجية الإعلامية القوية التي يعتمدها المتطرفون للتخويف ونشر الأفكار المتطرفة، كما نشاهد مئات الفيديوهات التي تنجز في الموصل بالعراق لنشر الرعب في العالم.لكن المشكلة التي يطرح نفسه من خلال هذه الفيلم، أنك تعطي الكلمة للمتطرفين للحديث عن أفكارهم، قد يعتبر الفيلم طريقة جيدة بالنسبة لهم لمزيد من الانتشار الإعلامي..❊ بالنسبة لنا كمخرجين وسينمائيين، فإن الجدل يطرح دائما كلما تعلق الأمر بإنجاز فيلم عن ما يمكن وصفهم بالأشخاص السيئين الذي لا نتفق معهم. يتساءل البعض “كيف يمكن إعطاء الفرصة لهؤلاء للحديث عن أفكارهم؟”، أتذكر أن هناك فيلم مشهور جدا للمخرج الإيطالي بيير باولو بازوليني “سالو.. أو 120 يوما من سدوم”، من تليفه وإخراجه عام 1975، وقد اعتبر الفيلم مروجا للأفكار الفاشية لأنه أعطى الكلمة للفاشيين. هذه التهم يدفع ثمنها المخرجون. شخصيا كنت سأشعر بالفخر كثيرا لو أتيحت لي فرصة إنجاز فيلم عن النازية عام 1939، هذا هو دور السينما، المهم هو إظهار الواقع للعالم، لا يجب أن نخاف من إبرازها سينمائيا مهما كان الواقع جميلا، مخيفا، مقلقا، يجب إظهارها، لا يمكن حل المشاكل من خلال ذر الرماد على العيون بل من خلال نقل الحقيقة.في العمل السينمائي، عندما تصور فيلما، هل تهمك الحقيقة أم إدانة المجرمين؟ المهم بالنسبة لي هو نقل الواقع ليس أكثر، لأنه في النهاية ما يقوله “سلفيو” الفيلم ليس حقيقيا ولكنه واقعي، وهذا ما يقولونه وينشرونه في الإنترنت، وتلك هي أفكارهم، بالنسبة لي طبعا أفكارهم خاطئة، ولكن أتعامل معها كواقع في الفيلم، فهم الواقع وليسوا الحقيقة، لأن ذلك مرتبط بسوء فهم البعض للنصوص الدينية. كان هناك اعتقاد سائد في فرنسا بأن المتطرفين هم “مضطربون عقليا ويجب إرسالهم إلى المصحات النفسية”، وهذا لم يكن صحيحا في النهاية، لأن المشكل كما يبدو أكبر من ذلك، ما يقوله أحد المتدخلين في الفيلم للأسف حقيقي في جزء منه وخطير أيضا، عندما يقول “هناك الكثير من الأفكار الشيوعية وحتى الرأسمالية والمسيحية جرّبها الغرب ولكن تخلى عنها في نهاية المطاف، وقد حان وقت الأفكار الإسلامية”.. من وجهة نظره تلك حقيقة مطلقة، ومن وجهة نظري سينمائيا هذا واقع. “السلفيون” يستغلون مثل تلك الأطروحات للتأثير على الشباب وجلب المزيد من الأنصار إليهم، ما يحدث الآن في أوروبا هو أن شبابا من الطبقة البسيطة وأيضا الأغنياء يتقاسمون تلك الأفكار التي نعتبرها متطرفة، وهذا ما يصنع الخلل، ما أردت إبرازه في الفيلم أن التطرف والإرهاب ليس مشكلة تحل بسهولة، فسنوات الإرهاب لن تنتهي ببساطة، ونحن أمام أيديولوجية تتغذى من الدين والعقائد بشكل خاطئ، وهذا هو المشكل الأكبر.الخبر الأول الذي أحاط طرح الفيلم، هو قرار منع عرضه في فرنسا، كيف تلقيت هذا القرار الذي صدر من طرف وزير الداخلية؟ أول ما سمعنا الخبر شعرنا بأن القرار “مثير للسخرية”، خصوصا أننا قمنا قبل ذلك بعرض الفيلم لمدة شهر ونصف أمام أحسن الصحافيين وأحسن الباحثين في علم الاجتماع والتاريخ في فرنسا لمعرفة آرائهم حوله، ولكن بشكل مفاجئ أصبحت هناك موجة من الجدل بين وزارة الداخلية ووزارة العدل اللتين قررتا منع الفيلم، ووصل الجدل إلى مستوى رئيس الوزراء مانويل فالس الذي تبنى قرار منع عرض الفيلم، خاطرنا بحياتنا من أجل إنجاز الفيلم، وكان من الممكن أن يتم قتلنا وإعدامنا من قِبل الإرهابيين الذين حاورناهم في العراق، لا يمكن توقع ردة فعلهم، ولكن الاستهداف الأسوأ جاءنا من باريس والحكومة الفرنسية. الأمور لم تكن على هذا النحو في فرنسا قبل نحو 15 سنة، حيث كانت حرية التعبير أكبر، ولكن لا يجب اليوم استغباء المشاهد والجمهور والوصاية عليه، فالجمهور متلقٍّ جيد، وأنا أفكر دائما في ذكاء المتلقي.في رأيك لماذا يجب السماح للجمهور بمشاهدة هذا الفيلم؟ لأنه يجب تحمل مسؤولية ما يحدث في العالم اليوم من عنف وعمليات انتحارية تقودها أفكار متطرفة، لا يمكن أن يكون الحل عسكريا أو أمنيا فقط، بل يجب فتح النقاش حول العقائد، يجب مناقشة ما يحمله هؤلاء المتطرفون من أفكار. أعتقد أنه أمر جدي ومهم أيضا أن يشارك الجميع في النقاش، وأن لا يتوقف فقط عند حدود الباحثين والمؤرخين والمحللين السياسيين، من خلال هذا الفيلم الذي تحدينا من أجله الكثير من المخاطر، لهذا أسعى إلى نقل الواقع الذي يجب أن يشاهده الجميع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات