تفاصيل جريمة "قابيل وهابيل" في ڤالمة

+ -

تعود “الخبر” لتقدم بعض التفاصيل عن مجريات الجريمة، ومحاكمة “ص. إسماعيل” عنصر الدفاع الذاتي الذي أدانته محكمة الجنايات في ڤالمة بالإعدام، بتهمة القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، لشقيقه التوأم “حسين”، والتي نظر إليها ممثل الحق العام على أنها جريمة “خطيرة جدا” تمت أمام مرأى أعوان الدرك ومحضر قضائي وخبير عقاري، وشكلت الواقعة من وجهة نظر الدفاع “اغتيالا بالغدر”، كما لام المتدخلون التقصير بعدم سحب السلاح من الجاني، وعدم تدخل العقلاء من العائلة الذين ساهموا بقدر كبير في المآل المؤلم للتوأم شقيق، ولذويهم ممن لم يؤدوا واجب العزاء، وانقطعت صلة الرحم بينهم، كما بقيت الغرفة محل النزاع دون أن ينفذ عليها الحكم الذي كان جريرة لهذه الجريمة النكراء. كان يوم 29 سبتمبر 2015 على الساعة العاشرة صباحا، تاريخا مثقلا بالهموم والمآسي لعائلة (ص) سواء الذين يسكنون في بوشقوف أو في سوق أهراس، بعد أن كتب القدر للأخوين الشقيقين التوأمين أن تنتهي مسيرة حياتهما على نحو مؤلم للغاية: حسين (57 سنة) المقتول بـ3 طلقات نارية، وشقيقه التوأم إسماعيل القاتل، وهو من صوّب هذه الرصاصات في زمن قياسي وعلى جهات متفرقة من جسم شقيقه، كان أخطرها الرصاصة التي أصابته في صدره.. 3 طلقات كانت كافية، حسب من عاينوا الواقعة، لتحدث رجة عنيفة في جسم الضحية، وارتباكا لدى الجاني، وهلعا في نفوس من قدموا لتنفيذ حكم القضاء على خلفية نزاع عقاري حول “غرفة”، والذي يبقى مؤجلا إلى حين تلتئم الجروح، جروح فتحت قبل 30 عاما بسبب النزاع العقاري، وأصبحت اليوم أكثر إيلاما مع مقتل الشقيق على يد شقيقه.لم يستسغ من حضر المحاكمة ما جرى، ولم تكف كل أشكال الإدانة في التعبير عن حقيقة الجريمة التي كانت حي جباري الطيب ببلدية بوشقوف مسرحا لها، وهي التي حدثت خارج حدود المنزل المتنازع عليه، ومن خلف أحراش جاءت الرصاصات لتضع حدا للنزاع القديم..بداية القصةفي 1989، شيد الضحية حسين 3 غرف بالحي المذكور، وبنى أخوه الجاني غرفة ملحقة بذات المسكن، فكانت الشراكة بداية حرب كحرب “داحس والغبراء” التي اشتعلت بين الأشقاء وأبناء العمومة حول الملك واقتسام السلطة، لكنها اشتعلت بين إسماعيل وحسين حول ملكية “أمتار” في منزل مشترك، وتعنت كل واحد منهما وتصلب الآراء كان سببا مباشرا في الوصول إلى الطريق المسدود. تدخل قريبٌ مرات لفض النزاع، حسبما ذكر في الجلسة، وقدم حسين حلا لشقيقه بعرضه بيع المسكن كاملا بمبلغ 45 مليون سنتيم، لكن شقيقه إسماعيل رفض العرض، وأصر حسب ما تواتر من معلومات في الجلسة على الحصول عليه عنوة، كما رفض الامتثال للأحكام القضائية، وهدد واشتكى بكل من حاول تنفيذ الحكم، وحاول الانتحار بسكب البنزين على جسده خلال شهر ماي من نفس السنة، كمراوغة منه لمنع التنفيذ.الجاني: شقيقي يكرهني وحرمني من أمياعتبر المتدخلون أن النقطة المتعلقة بكون المتهم إسماعيل مسلحا كعون للدفاع الذاتي، لم تكن أبدا تسير في صالحه لتخفيف عبء الجريمة عنه، وهو الذي قال في الجلسة “أنا مسبّل في جبال تبسة، والسلاح سلمته لي الدولة لأدافع به عن نفسي وعن جيراني”، ولكن عندما سأله القاضي خلفاوي عن مكان عمله والوظيفة التي كان يشغلها كان يكرر “نسيت، المكان تغير، كل شيء تغير بعد دخولي إلى السجن، لم أعد أذكر الوقت، ولا أذكر حتى على من صوّبت ببندقيتي، كل ما أذكره أن الدرك عثر على البندقية عندي وكانت فارغة”، وهو الأمر الذي جعل القاضي يستغرب لشخص يتذكر كل تلك التفصيلات وينسى الشخص الذي قتله. استرسل القاضي في طرح الأسئلة قائلا “غاظك المرحوم كي توفى؟” فرد “أكيد (بيان سير) باللكنة الفرنسية.. حتى لو كان هو يكرهني وحرمني من أمي”، دون أن يفصل ماذا فعل له المرحوم حتى حرمه من والدته، رغم أن المعلومات تفيد بأن والدته كانت تعيش مع شقيقه في سوق أهراس.وعادت حادثة محاولة انتحار إسماعيل في شهر رمضان 2014، بسكب البنزين على جسمه وشربه حوالي ربع لتر، كما ذكر في الجلسة، لتؤجج الحقد بين الأشقاء التوأمين، وكانت تمثل نقطة اللارجوع لعلاقة خسر فيها الطرفان كل شيء بينهما، دفع أحدهما حياته ثمنا لها، وأغلقت على الآخر أبواب زنزانة أنسته الوقت والأحداث، كل هذا بسبب “غرفة” تصارعا وتناحرا عليها قرابة 3 عقود متتابعة!الشهود: حسين قُتل ببندقية شقيقهقال المحضر القضائي الذي حضر كشاهد في القضية المثيرة للجدل، في معرض حديثه عن تفاصيلها، وقد بدأت بمجرد تنقله للمكان “تنقلت رفقة الخبير والدرك إلى المنزل محل النزاع، لتنفيذ الحكم وفض النزاع حول الشراكة بين الإخوة، ولحق بنا المرحوم على متن شاحنة رفقة شخص آخر، توقفنا عندما وصلنا بالقرب من المسكن، وكان المرحوم يسير خلفنا، وعندما اقتربنا أكثر من المنزل سمعنا طلقا ناريا، التفتنا فوجدنا الضحية مرميا على الأرض”، أضاف وهو يصف ما أحدثه الموقف من ردة فعل مروعة “هربنا من مكان الحادث، وبعد لحظات سمعنا طلقات أخرى”. استوقفه القاضي وسأله إذا أصيبوا هم بأذى، إذا إن المسافة بينهم وبين الضحية لم تكن تتعدى بضعة أمتار (حوالي 3 أمتار) والبندقية المضخية، وفقا للصور التي أراها للشاهدـ تظهر أن سور المنزل وأوراق الأشجار أصابتها الشظايا، حتى أن الضحية أثرت فيه الشظايا، لكن الشاهد أكد سلامتهم.في سياق تأكيد عملية ترتيب الجاني للواقعة، سأل القاضي الشاهد عن مدى علم المتهم بيوم التنفيذ، فأجاب “كان على علم وفقا للبرقية التي وصلته”، رغم أنه يحاول إنكار ذلك، فأعاد فتح محاضر السماع ليستدل به، فقال الجاني “الويسي كل شهر يجي لدار الوراثة من 6 سنين”، وعلق المحضر القضائي “كان يقول لي لا تأتي للمنزل”.أما الشاهد الثاني، وهو سائق الشاحنة الذي أقل الضحية يوم الحادث، فقال “طلب مني حسين نقل بعض الأغراض من رمل وإسمنت وماء، ولكني لا أعلم ماذا سيفعل بها، توقفنا على مقربة من المنزل، ووجدنا المحضر والخبير والدرك بالمكان، وبمجرد أن توجهنا للمنزل تفاجأنا بطلقات نارية توجه إليه، وكنت على بعد حوالي 6 أمتار منه، فانبطحت أرضا دون أن أدري مصدر العيار الناري، وكل ما سمعت هو صراخ الضحية مع أولى الطلقات، وبعد لحظات وُجهت له طلقة ثانية رأيت جسمه يهتز على وقعها، أما الطلقة الثالثة فلم أر ما حصل خلالها، حينها تقدم أعوان الدرك من الضحية، وسمعت أحدهم يقول “لقد هرب”، عندها خرج يقول “لم أهرب”، وبيده سلاح، فحاصره أعوان الدرك وكسر السلاح”، وأضاف “هو من قتل شقيقه”.زوجة الجاني: محاولة الانتحار بداية الكارثةجاءت شهادة الزوجة “ص.ي” مجردة من ذاتية المرأة التي تسعى دائما للدفاع عن شريك حياتها الذي قضت معه 27 سنة تحت سقف المنزل ذاته، قالت ما حصل يومها بلا مراوغة وهي تجيب عن كل سؤال بما ورد وبما شهدته، وهي على يقين بأنها ستسأل عن هذا الجرم أيضا أمام عدالة السماء، مشيرة إلى أن زوجها أحيل على التقاعد منذ سنتين، وكان يعمل في شركة المياه بولاية تبسة، وأنه تم تسليحه من عام 2000، ويستعمله في الانتخابات وفي بعض النشاطات التي تقام في المدارس، ولم يعمل مع الجيش. أما عن النزاع الطويل والشاق، فقالت “بدأ في سنة 1988 بسبب غرفة، على أبسط الأمور يتشاجران، وزاد الوضع تأزما بعد أن انتقل المرحوم من بوشقوف للعيش مع والدته في سوق أهراس، وكنا نحوز على غرفتين”. اعتبرت السيدة “ص” يوم 14 ماي مهما للغاية في حياتها مع شريك حياتها، إذ “بعد هذا اليوم لم أعد أعلم بأي شيء، كان يوما كارثة، فعندما جاء المنفذ مع الدرك حاولوا إيجاد صيغة للتفاهم، ووضع حد لهذا النزاع الطويل، لكن الزوج سكب البنزين على جسمه والجيران يتفرجون، وبقي تحت شمس شهر ماي الحارة، كانت هذه الحادثة سببا في فرار ابني من المنزل، وهو اليوم يقيم عند خاله بسبب الضغوط المتواصلة، أما زوجي فانعزل تماما عنا وبقي فقط يتواصل مع ابنتنا، وأثرت عليه هذه الحادثة كثيرا، وظل على أعصابه، رغم أنه كان مؤذنا في مسجد الحي، ومتطوعا ويصلي أحيانا بالناس عندما يغيب الإمام”، وهي شهادة للزوجة وأكدها التحقيق الاجتماعي الذي أظهر أن المعني يتمتع بسمعة طيبة لدى جيرانه ومحيط بلديته.دفاع الضحايا: المرحوم اغتيل غدرا وروحه  تطلب القصاصناشد دفاع الضحية المحامي الشريف عيدودي تطبيق القانون “لروح الضحية التي تدور في أروقة المحكمة”، واعتبر ما حصل “اغتيالا بالغدر”. وحاول العودة لخلفيات النزاع، لكن القاضي اعتبره تحويلا لمسار الوقائع وطالب بالتقيد بالملف، وبرر الدفاع ذلك بكون الصراع العقاري سببا مباشرا في الجريمة التي أضرت بالعائلتين، خاصة بعد الانتقال من الحلول الودية إلى القضاء، وأُرجئت عملية التنفيذ مرارا لطرد المتهم من الغرفة الثانية التي شغلها عنوة، وقد أكدت زوجة الجاني بأنهم يحوزون غرفتين، رغم أن الوثائق تدل على أن زوجها شيّد غرفة واحدة ملحقة بالمنزل الذي بناه شقيقه حسين المكون من 3 غرف، وأضاف الدفاع أنه في عام 2009 عرض المرحوم بيع مسكنه مجددا على شقيقه خاصة بعد وفاة والدتهما مقابل مبلغ 45 مليون سنتيم، لكنه رفض.وتفيد المعلومات بأن المتهم صرح بأنه عزم على قتل شقيقه، وهو الذي هيأ لذلك مكانا وسط الأحراش قرب المنزل، وهو موقع يراه الفاحصون للملف استراتيجيا، كونه يسهل التصويب وإصابة الهدف من خلاله، مع الرؤية الواضحة من قبل المصوّب، مقابل صعوبة رؤيته من قبل المارة، واعتبر المحامي أن الحادثة “استثنائية”، وألقى باللائمة على عدم أخذ التدابير اللازمة بسحب السلاح منه، خاصة بعد محاولته الانتحار، كما ركز على الغل الذي ظهر يوم الجريمة، مشيرا إلى أن المتهم وبعد أن أطلق رصاصتين خرج من المكان الذي كان يختبئ فيه وتقدم من الضحية حوالي 6 أمتار ثم صوب نحو صدره الرصاصة الثالثة.وعلّق المحامي قائلا “حتى في مكافحة الإرهاب لا يفعلون مثل هذا، والضحية أعزل ذهب لتنفيذ الحكم، لكنه حرمه من حقه في الحياة، وأكثر من ذلك، كان المتهم يقول: أرفض أن أذكر أنه أخي. وهذا الأخير قدم له حلولا وسطا لكن المتهم لم يستجب لها”، وأكثر من ذلك، قال المحامي “هدده في حال رجع للمنزل بالقتل، واشتكينا على ذلك ولم يمتثل لنا”، واستدل بالمواد 254، 255 و257 المؤكدة على عقوبة إزهاق روح إنسان والإصرار والترصد.قصة أشبه بقصة “قابيل وهابيل” ووقعت بحضور الدركأكد النائب العام كثيرا على كون الجريمة “خطيرة جدا”، ليس لكون المتهم والضحية أشقاء، وهو فعل حرمته الديانات، وهي واقعة شبهها بما حصل بين قابيل وهابيل، مع فارق أن الأول ندم على فعلته، عكس المتهم الذي يقول “ليس أخي، ولا علاقة بيننا”، وأضاف “الدولة سلحته ليحمي المواطنين كعضو في إطار الدفاع الذاتي، ولو علموا بسلوكه لما تم ذلك”، والخطورة أيضا أنه يدّعي أنه مؤذن وقيم للصلاة، والخطر الأهم أن الجريمة وقعت بحضور أفراد الدرك، معتبرا أنه هناك تقصيرا، خاصة أن المتهم حاول الانتحار، وفرقة الدرك لبوشقوف على علم بذلك، ومع ذلك قال إنهم قاموا بالمهمة، وكان باستطاعتهم أن يقتلوه، ولم يفعلوا، وتلك شجاعة منهم فأمسكوه ليحاكم أمام العدالة، وأكد سلامة المجرم وفقا للخبرة الطبية، كما أن أركان الجريمة ثابتة، وأُلقي القبضُ عليه متلبسا، وطلب من القاضي والهيئة، الذين نعتهم بأنهم “أولياء المقتول”، بتسليط عقوبة الإعدام تطبيقا للمواد 9 مكرر، 9 مكرر 1.دفاع المتهم: محال أن يقتل شخص سليم شقيقهركزت الأستاذة صافية نبيلي على حديث سابق دار مع موكلها عبر فيه عن ندمه وصراعه المرير، حتى أنه كان يقول لها “نضر روحي وما نضرش خويا”، وأضافت أن قناعة رسخت لديه أن الغرفة ملك له ولا أحد سينتزعها منه، وأشارت إلى تأثير الأحداث وطول المدة عليه فأصبح يرى نفسه “محقورا”، وانعزاله عن عائلته عدا ابنته التي يقول إنها هي فقط “العزيزة علي”، أكثر من ذلك قالت إنه لم يهرب وخرج من منزله ولم يكن محتميا خلف الأحراش، وألقت باللوم على غياب العقلاء من العائلة، وتداعيات حادثة الانتحار، وهو المؤذن المحترم، وتشهد صحيفة سوابقه على ذلك.أما تنكره للواقعة، فبررت ذلك بكونه لا يتذكر ما حصل، ويقول لها “أعلم فقط بأنه مات”، ونفت أية محاولة للترصد بشقيقه، وأيدت ما ذهب إليه المتدخلون بعدم الاحتياط وسحب السلاح منه بعد محاولته الانتحار، ما جعلها تستبعد أن يعمد توأم إلى قتل أخيه من “كرش وحدة” لو كان سليما عقليا، وردت السبب للغضب، مستدلة بقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم “إياكم والغضب”، ما أفقده بوصلة التفكير الحكيم، وطالبت بأقصى ظروف التخفيف، فيما طالب موكلها كآخر كلمة له بالعفو عنه، وطالب ورثة المرحوم بالتعويض عن الأضرار التي لحقت بهم وقدرها 2 مليار سنتيم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات