"لسنا في حالة طوارئ حتى تسند مهام ضبط الإعلام لوزير الاتصال"

+ -

انتقد الدكتور العيد زغلامي، الأستاذ بكلية الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، في مقابلة مع “الخبر”، تولي وزارة الاتصال مهام ضبط قطاع الإعلام. وقال إن الجزائر ليست في حالة طوارئ أو الاستثناء كي نسند هذه المهام لوزير الاتصال. وقدر زغلامي، وهو عضو المبادرة الإفريقية للإعلام، وشارك في تأليف كتاب حول “الدبلوماسية العمومية والقوة الناعمة” (صادر بأستراليا)، أن الصحافة المستقلة، مثل “الخبر”، هي الجدار الوقائي والمحضن لثقافتنا وقيمنا.هل أخطأت “الخبر” عندما باعت جزءا من أصولها؟ أعتقد أن ما يمكن قوله الآن، أنه في ظل التنافس الشديد بين الصحف، في ظل اقتحام التكنولوجيا الرقمية والأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، والصحافة الإلكترونية، الساحة الإعلامية الوطنية، باتت الصحافة الورقية في مأزق وصعب عليها مواصلة المسيرة. واللجوء إلى  مصادر تمويل أخرى أصبح حتمية وضرورة مفروضة عليها.نحن نشهد غيابا كبيرا للصحف العالمية الراقية، التي تعاني أزمات مالية خانقة، والصحافة الجزائرية ليست الاستثناء. وعندما نتكلم عن السياق الجزائري، فلا بد من أن نذكر بقضية الإشهار العالقة في البلد منذ سنوات، والجميع ينتظر صدور قانون الإشهار لوضع حد للتلاعبات والتأويلات والاحتواءات. أكثر من هذا، الإشهار أصبح قنبلة موقوتة وخاصة في غياب الإطار القانوني، فحدث أن المادة الإشهارية الحالية تقلصت بحكم الأزمة الاقتصادية، والتوزيع لا يتم بطريقة شفافة وفقا للمعايير المهنية الموضوعية. في الدول المتقدمة الجريدة ذات المقروئية الأكبر هي التي تذهب إليها الإعلانات، لكن توظيف الإشهار لا يخدم الاحترافية ما يؤدي إلى انتهاج أسلوب المراوغة والقضاء على الصحف.أفهم من كلامك أن خطوة “الخبر” لها ما يبررها ولا تلام عليها؟ طبعا، من حق أي جريدة، وليس “الخبر” فقط، البحث عن مصادر أخرى للتمويل، وبالتالي لا يمكن متابعة أي جريدة لأنها تعاقدت مع أطراف أخرى ضمانا لاستمراريتها. أنا أطلق على أموال الإشهار تسمية “الريع الإشهاري”، والكثير من الجرائد تعيش عليه، وعليه وجب سحب هذه التفاهة والرداءة والمحسوبية، وتمكين ثقافة التنافس الشريف محلها. ثم إن مثل ما أقدمت عليه “الخبر” يمثل ظاهرة صحية، بل أذهب إلى حد اعتباره عملا حضاريا يمكن المجتمع من الاستفادة من صحافة متعددة.لماذا تخاف الحكومة من صفقة “الخبر - ناس برود”؟ تخوف الحكومة من صفقة “الخبر - ناس برود” نابع من أنها أبرمت مع أحد رجال الأعمال المتميزين (يقصد إسعد ربراب)، ومن شأن ذلك أن يحصن بطريقة ما هذا المالك الجديد، لأنه لم يعط ولاءه للسلطة القائمة.الخوف أيضا من أن توظف الجريدة كورقة ضاغطة في الحياة السياسية. بعيدا عن هذا الرأي، “الخبر” موجودة منذ 25 سنة والشباب من مواليد 1990 اعتادوا على التعددية، فلا يجوز العودة إلى  الوراء. إنها مكسب وثقافة وسلوك وفكرة، لذا فإن الشباب لا يتقبل اختفاء جريدة صارت تشكل جزءا من المخيلة الجماعية مثل صحف أخرى أبرزت وجودها في الساحة الإعلامية.هل كانت أمام الحكومة خيارات للتعامل مع هذه القضية؟ كان أجدر بالحكومة، عوض أن تدخل نفسها في النفق، أن تعيد النظر في طريقة توزيع المادة الإشهارية لضمان التعددية الإعلامية والأفكار والقيم والتوجهات، لأن ذلك يعزز اللحمة بين شرائح وفئات المجتمع ويقوي وحدة البلد.ما رأيك في قرار ربراب إدراج “الخبر” في البورصة؟ أعتقد أن القرار منطقي ويضفي حركية على البورصة، بما ينهي حالة الجمود التي تعيش فيها. كان من الأجدر على البورصة أن ترحب وتثني على مثل هذه المبادرات. القراءة الأخرى لهذه العملية، أنها اتخذت أبعادا تجارية واقتصادية محضة، وربما هو ما دفع ببعض الصحافيين إلى الغرق في دموع بكائهم على الأطلال عندما سمعوا بهذا القرار.إن الجريدة التي لا يمكنها أن تستمر في الحياة بدون مداخيل وتمويل أو مصادر مالية، فإن المادة الإعلامية الهادفة والنزيهة، بالنسبة إلى صحافة سنة 2016، هي التي تكسب الجريدة الديمومة. بعبارة أخرى، على الصحافة الورقية تحسين أدائها بتغطية انشغالات المواطن، وأن تخرج من رحمة أطراف سواء كانوا داخل السلطة أو خارجها. ما نرتقبه من جميع الأطراف هو صوت الحكمة والرزانة، لأنه لا يمكن تسيير شؤون البلد حسب أهوائنا وأهدافنا الضيقة، والجزائر كثورة وبلد هي أكبر من هذه الحسابات السياسوية الضيقة. من جهة أخرى، هناك المجتمع الجزائري الذي يرتقب أن يكون رجال السياسة في مستوى طموحات الوطن، ووسائل الإعلام هي التي تضمن تنويره بالمستجدات والحقائق التي تعزز تعدد الآراء والممارسة الديمقراطية، وتعتبر كذلك مرآة لانشغالات المواطنين بمختلف شرائحهم. وفي هذا المقام، أنوّه على الخصوص بالصحافة المستقلة التي هي مكسب لكل البلد. كما يجب على الصحافة العمومية أن تفرق بين المصلحة العامة والمصلحة الحكومية، لأن ما نلاحظه منذ مدة هو تحول وسائل الإعلام العمومية إلى وسائل إعلام الحكومة، وهذا يتنافى والقوانين العضوية للإعلام 1990 و2012.هل يحق لوزارة الاتصال إقحام نفسها في مسألة تجارية بحتة وتورط حكومة بأكملها في مأزق قضائي؟ بسبب اللجوء إلى  المحاكم، اتخذت القضية أبعادا غير أخلاقية وتجاوزت البعد المحلي إلى أبعاد دولية. لقد دخلنا في مناورات سياسية حزبية سياسوية، في آفاق ما يحدث في الدولة الجزائرية من تطورات سياسية لها علاقة بما بعد 2019، تترجمه عملية تعديد أطراف القضية وممارسة الضغوط، وهذا يؤشر على صراع داخل السلطة وخارجها. إن المشكل لم يصبح شأنا قانونيا محليا، بل صار قضية دولية الأبعاد بامتياز.كيف تتصور حل هذه القضية؟ الحل يتم بطريقة حضارية، بالحوار والنقاش والابتعاد عن التعنت، الذي لا ولن يؤدي إلا إلى المزيد من التصادم والعنف اللفظي من كل الأطراف. حبذا لو تقرر الحكومة ضبط قطاع السمعي البصري والحد من الفوضى العارمة التي يعيشها. كما ينبغي إنشاء سلطة ضبط الصحافة المكتوبة في أقرب الآجال، لأنها هي الحل لمثل هذه القضايا. فهي هيئة مستقلة مهامها القيام بضبط القطاع وليس العدالة. نحن لم نحترم قواعد حرية التعبير. أعيد مرة أخرى مؤكدا، وحدها الهيئة هي التي تضطلع بمهام الضبط وليس العدالة. عندما نفعل ذلك، فإننا لا نعيد اختراع الفحم، في بريطانيا مثلا يوجد مجلس الصحافة، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يوجد ديوان بأكمله يعالج القضايا الإعلامية من صحافة مكتوبة والسمعي البصري والأنترنت والوسائط الإلكترونية، بل تمتد صلاحياته إلى حد التنبؤ بالمشكلات التي قد تحدث في القطاع الإعلامي واستباقها بحلول.أخيرا، تم الإعلان عن إنشاء سلطة ضبط السمعي البصري، ما التغيير الذي تحمله هذه الخطوة المتأخرة؟ كان الأجدر توسيع دائرة تحرك هيئة الضبط لتشمل السمعي البصري والوسائط الإلكترونية. هذه السلطة نص عليها القانون الخاص بالسمعي البصري في 2014، وقبله قانون الإعلام 2012 الذي نص على إحداث سلطة ضبط الصحافة المكتوبة. أنا لا أفهم لماذا تم إسناد مهام هاتين السلطتين إلى وزارة الاتصال، هل نحن في حالة الطوارئ أو حالة الاستثناء. إنه لا يوجد أي مبرر لإعطاء هذه المهام والصلاحيات لوزير الاتصال، الذي هو منفذ مخطط عمل الحكومة، التي أرى أنها أخفقت في ذلك لأنها لم تهتم بهذا المشكل.كلمة أخيرة؟ لقد قمنا بخلق مشكل اسمه “الخبر”، وغدا سنخلق مشكلا آخر مع الفايسبوك والتويتر.. يؤسفني ذلك كثيرا، نحن في غنى عن كل ما يحدث. لو احترمنا القوانين لما سقطنا في هذا المشكل وتفادينا هذه الانزلاقات. نحن لا نعيش في جزيرة معزولة عن العالم، لسنا وحدنا في هذا الكون لنقرر ما نشاء ونفعل ما نريد، هناك عالم ورأي عام. كما أن الجزائر لا تقدر بمفردها البقاء خارج السياق العالمي، الصحافة المستقلة هي الجدار الوقائي والمحضن لثقافتنا وقيمنا.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: