+ -

لم تمض وقفات تضامن المواطنين مع صحفيي وعمال “الخبر”، من دون أثر، بل زادتهم قوة وصبرا على مضايقات ليست وليدة اليوم. فقد كانت تلك الوقفات بمثابة الشاهد على إصرار ثلة من حملة الأقلام والعمال من مختلف أقسام التحرير والمصالح الإدارية بأن الاستمرار في البقاء ليس مجرد حق يدافع عنه صاحبه، بل كرست دفاع مجتمع بأكمله عن صوته وحقه في الوجود ولو بقول الحق. لم يكن انضمام غالبية المساندين لعدالة قضية “الخبر” للدفاع عنها فحسب، لكنها امتدت إلى التضامن والدفاع عن الممارسة الديمقراطية التي عرفت تراجعا واضحا خلال السنوات الأخيرة، وضاقت دائرتها خلال السنوات الثلاث الماضية تحديدا، بسبب تغليب الرأي الأحادي في الفعل السياسي كما الاقتصادي والثقافي والاجتماعي وحتى الرياضي.وبفعل هذه الممارسات، كان لتضييق دائرة الحريات، الثمن الباهظ الذي تدفعه السلطات اليوم، في شكل احتجاجات وإضرابات ومطالبات، لا تزال تقابل برفض الحوار وفتح النقاش، بل شاهد الجميع كيف تتفنن الموالاة في الدعوة إلى الإقصاء وشاهدوا أيضا كيف توصد الأبواب في وجه معارضة جنينية تعبر عن صحوة حزبية ولو على استحياء.وأمام هذا الديكور الأسود شكلت صرخة أوفياء “الخبر” الاستثناء وكسرت جدار الصمت والخوف معا، لكن في جو حضاري، بلغت أصداؤه العالم بأسره بعدما كانت قضية صفقة بيع أصول في جريدة إلى قضية رأي عام بامتياز.. وما دل ويدل على حضارية هذه الممارسة الديمقراطية المحضة، أن قوبلت بتفهم منقطع النظير من طرف شرائح المجتمع، رغم محاولات بعض الأبواق السياسية والإعلامية التشويش على ذلك.فمن الجلسة الأولى بتاريخ الثاني ماي الماضي، عشية اليوم العالمي لحرية الصحافة، مرورا بالثانية في الرابع من نفس الشهر، ثم ثالثة (11 ماي)، فرابعة (25 ماي)، وأخيرا جلسة خامسة اليوم الأربعاء (8 جوان)، كان صدى رفض خنق حرية الصحافة باسم هيبة الدولة وثقافة “أدخل الصّف” و”شدّ سابعك”، يصل إلى كامل أرجاء البلاد وإلى أسماع من يهمه الأمر في الحكومة ومجتمع الأعمال والمعنيين المباشرين بالصفقة.وفي كل مرة كان شعار “الخبر” الخالد، “صدق ومصداقية” هو المحور الذي تدور حوله نقاشات الواقفين، مع الوعي الكامل بأن حرية “البزنس” غائبة في مناخ الجزائر الاقتصادي، رغم وعود وتعهدات المسؤولين الحكوميين وتكرار جولاتهم في الشرق والغرب – وما تكلفه رغم شعار ترشيد النفقات – على درايتهم باستحالة قدوم أي مستثمر أجنبي في هكذا بيروقراطية إدارية وعراقيل في “الفيزا” وغموض مراكز اتخاذ القرار وعدم استقرار القوانين.وفي كل مرة، كان التساؤل يطرح نفسه في الوقفات: أين أخطأت “الخبر”؟ أفي الاضطلاع بدورها كوسيلة إعلامية مستقلة، أم في كون مالكها الجديد رجل أعمال لا تستسيغ السلطة مواقفه منها؟ والحقيقة أن الجواب لا يخرج عن إطاره التجاري المحض، وذلك باعتراف صاحبة الدعوى القضائية وزارة الاتصال وهو ما يؤهلها لتكون قضية سياسية من درجة أولى.. إذ في ظل اقتحام تكنولوجيا الرقمنة والأنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، والصحف الإلكترونية، الساحة الإعلامية الوطنية، باتت الصحف الورقية، مثل “الخبر” في مأزق وصعب عليها مواصلة المسيرة. كما أن اللجوء إلى مصادر تمويل أخرى أصبح حتمية وضرورة مفروضة عليها.نحن نشهد غيابا كبيرا للصحف العالمية الراقية، التي تعاني أزمات مالية خانقة والصحافة الجزائرية ليست الاستثناء. وعندما نتكلم عن السياق الجزائري، فلا بد من أن نذكر بقضية الإشهار العالقة في البلد منذ سنوات، والجميع ينتظر صدور قانون الإشهار لوضع حد للتلاعبات والتأويلات والاحتواء.أكثر من هذا، أصبح الإشهار قنبلة موقوتة وخاصة في غياب الإطار القانوني، في ظل تقلص المادة الإشهارية الحالية، بحكم الأزمة الاقتصادية وطريقة توزيعه غير الشفافة والتي لا تتم وفقا للمعايير المهنية الموضوعية. في الدول المتقدمة الجريدة ذات المقروئية الأكبر هي التي تذهب إليها الإعلانات، لكن توظيف الإشهار لا يخدم الاحترافية، ما يؤدي إلى انتهاج أسلوب المراوغة والقضاء على الصحف.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: