"الزّكاة وسيلة فعّالة في الحدّ من الفقر والبطالة"

+ -

أكّد الأستاذ عبد القادر شاشي، الباحث الجزائري بالمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، بالبنك الإسلامي للتنمية بجدة في المملكة العربية السعودية، في حوار خصّ به “الخبر”، أنّ تفعيل دور الزّكاة في الدولة سيساهم في الحدّ من ظاهرتي البطالة والفقر، معتبرًا أنّ أحد أسباب ارتفاع معدل الجريمة، وارتفاع نسبة التسرّب المدرسي، والهجرة غير الشّرعية، والتفكّك الأسري، وغيرها، هو عدم تفعيل الزّكاة.البطالة والفقر من أهم التّحديات الاقتصادية التي تواجه الاقتصاد الجزائري، ما تعليقكم؟ تعدّ مشكلة البطالة من أخطر المشاكل الّتي تواجه اقتصادات العالم، نظرًا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والأمنية؛ فقد أكّدت دراسة للدكتور حاج قورين حول موضوع الفقر في الجزائر، أنّ هناك علاقة وطيدة بين الفقر والبطالة، فالبطالة هي المكوّن الرئيس للفقر، والجزائر كباقي دول العالم الثالث تعاني أشدّ المعاناة من هذه الظاهرة. وقد انعكس معدل الفقر المرتفع في الجزائر بشكل مباشر على الجانب الاجتماعي والثقافي للمجتمع الجزائري. وهذا يظهر جليًا من خلال ارتفاع معدل الجريمة في الجزائر، وارتفاع نسبة التسرّب المدرسي، والهجرة غير الشّرعية، وهجرة الأدمغة، والتفكّك الأسري، والجهل، والأميّة، والتدهور الصحي للسكان، وانتشار الأمراض المزمنة... الخ.وما المخرج في رأيكم؟ إذا أردنا الحدّ من الفقر فعلينا الحدّ من البطالة، وإذا أردنا الحدّ من البطالة فعلينا الاهتمام بالتّعليم، والتّدريب، والتّكوين، وإيجاد وإتاحة الفرص المتكافئة، وتقوية النّظام الإداري، وإصلاح القوانين والنُّظم لتحقيق هذه الأهداف. ومن بين الحلول الّتي وضعها الإسلام تفعيل دور الزّكاة، الّتي إن طبّقت على أحسن وجه، فإنّها بلا شكّ تحدّ بشكل كبير من هاتين الظّاهرتين في الدول الإسلامية عامة بما فيها الجزائر.ما هو الدور الّذي يمكن للزّكاة أن تلعبه للحدّ من ظاهرتي البطالة والفقر؟ لو فُعِّلت الزّكاة وطبّقت بشكل صحيح، فإنّها تحقّق أكثر من هدف، منها النمو الاقتصادي، والرفاه الاجتماعي، والسّمو الروحي، والرّاحة النّفسية. كما تحقّق وتساهم في ترسيخ عدد من المفاهيم والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية مثل الضّمان الاجتماعي، والتّأمين الاجتماعي، والمساعدات الاجتماعية، والأعمال الخيرية، لأنّ الزّكاة ليست مجرّد مساعدة تطوّعية لسدّ حاجة عاجلة للفقير، بل هدفها القضاء على الفقر والبطالة من خلال تحويل الفقراء إلى طبقة عاملة تنمو لتكون دافعة للزّكاة بدلاً من أن تكون متلقية لها. وتساهم أيضًا في تحقيق التنمية المتوازنة للنّفس الإنسانية لأفراد مجتمع الزّكاة (دافعيها ومتلقيها) من خلال تطهير النّفس البشرية من أمراض البُخل والطمع والحسد، وغرس أخلاق الخير والفضيلة مكانها. وتساهم كذلك في تحقيق التنمية الاقتصادية في البيئة الإسلامية من خلال محاربة الاكتناز وتشجيع الإنفاق، وخصوصًا الإنفاق الاستثماري وتراكم رأس المال في جانبي الجباية والإنفاق لأموال الزّكاة، وأيضًا من خلال تقوية التّماسك والتّكامل الاجتماعي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي في المجتمع.فمن خلال أسهم الفقراء والمساكين ذوي الميل العالي للاستهلاك تُرفَع الزّكاة من الطلب الفعلي على السّلع والخدمات، ممّا ينعش الاستثمار، ويزيد الإنتاج، ويوفّر فرص عمل أخرى جديدة. ومن خلال سهم العاملين عليها توفّر فرص العمل لآلاف العمال والموظفين لجمع وتخزين وتوزيع وتسجيل مواردها. ومن خلال سهم المؤلّفة قلوبهم تنشر الزّكاة المودّة والتّعاون بين مختلف أفراد المجتمع. ومن خلال سهم في الرّقاب تهتم الزّكاة بأسر المساجين والمخطوفين. ومن خلال سهم الغارمين تحمي الزّكاة الأفراد وأصحاب الأعمال الّذين يجدون أنفسهم معرّضين للإفلاس نتيجة للأزمات الاقتصادية والظروف الاقتصادية الصّعبة. ومن خلال سهم في سبيل الله يدعّم الدّعاة وطلبة العلم ويزوّج العزّاب وتبنى الملاجئ وما شابه ذلك. ومن خلال سهم ابن السّبيل تساعد الزّكاة أصحاب المصاعب الاقتصادية المؤقّتة والمسافرين الّذين تنقطع بهم السُّبل.كيف يمكن تفعيل دور الزّكاة وتطبيقها تطبيقًا صحيحًا؟ الزّكاة هي أحد الوسائل الفعّالة في الحدّ من الفقر والبطالة، وفي دعم التنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والرّوحية، إذا طبّقت في مجتمع مسلم، وبشكل صحيح، ضمن الاستراتيجية الاقتصادية الإسلامية القائمة على تحقيق الفلاح في الدّنيا والآخرة. وهي لا تكفي لوحدها أن تحلّ كلّ المشاكل الاقتصادية في المجتمع، إذا لم تدعّم بالوسائل الأخرى كتحريم الرّبا والغَرَر وأكل أموال النّاس بالباطل. فلا بدّ إذًا من إعداد كلّ الإجراءات اللازمة لجمعها من طرف الحكومة في كلّ مدينة وقرية وحي، بفتح الفروع الّتي تحصي المؤدّين والمستحقّين، وتُجمَع، وتُوزّع موارد الزّكاة. ولا بدّ أيضًا من إعداد العاملين الأكفاء عليها، واستخدام التقنية الحديثة لجمعها من مؤدّيها وتوزيعها على مستحقّيها، حتّى تقوم بدورها المرجو في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية.   

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات