+ -

لست أدري كيف يزعم الثبات من يقف على رمال متحرّكة! ولا كيف يتيه المرء في كبريائه وقدمُه على صعيد زلق! وأظلم من هذين مَن يشيّد بناءه، ويقيم صروحه على شفا جرف لا يرسو على صخرة، قال تعالى: ”أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ تَقْوَىٰ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىٰ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ” التّوبة:109، هو ظالم بما أنفق من مال وجهد يروم المفاخرة بإنجازه، ويكاد يطاول الجبال بمشروعه، ولكن لم يكن على شيء، إذ سرعان ما يستسلم البناء إلى هاوية، وينهار مشروعه في منحدر، ويتهاوى الإنجاز، وينهار..إنّه من العيب أن نجد في النّاس من يقيم مشاريع دون اعتماد دراسة ميدانية على أرض الإنجاز، وكم تصادفنا منجزات تذرع الأرض، وتطاول السّحاب، ولكنّها من حيث البنية التحتية، والخبرة الأساسية تقوم على هواء، وتتشبّت بهباء.. وحتّى في مجال التّشريع والقوانين، كثيرًا ما تعتمد أمّة منهجًا مستوردًا، أو قيمًا هجينة لا صلة لها بواقع، ولا نسب لها يدافع ولا حجّة لها ترافع، ومع ذلك يفخر بها من جلبها ويظنّه بناءً محكم الأسوار، متين الأساس ولكن سنن الحياة تأباه، وقوانين الطّبيعة تلزمه الهُوِي وتُسمعه الحسرات بدَوي!وحتّى في مجال الأخلاق والتّقاليد تجد مَن يلبس ثياب غيره ويسلك مسلكًا لا يستقيم وأعرافه، ويغيّر هيئته كي يبدو كشباب الغرب في تمدّنه، كما فعل الغراب يتزيّن في مشيته مقلّدًا حمامة، فلا هو لذلك أتقن ولا رجع إلى مهده وركن، فانهار.. تُذلّه الشّتائم وتنبِزه اللّعنات، لا لشيء إلاّ لأنّه بنى ما أراد على متحرّك لا على ساكن ونهض فوق مضطرب لا ثابت.. وقد يظنّ في نشوة أنّه يمتطي ظهرًا ركوبًا، أو يمسك ضرعًا حلوبًا:ستعلم إذا انجلى الغبار أفرس تحتك أم حمار

 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات