+ -

إنّ الارتباط بين شهر الصّيام رمضان والقرآن العظيم ارتباطٌ محكم وثيق، ففي أيّامه المباركة ولياليه الجليلة نزل الرّوح الأمين بالقرآن العظيم على سيّد الخلق أجمعين ليكون هدى للنّاس وفرقانًا، قال الله سبحانه وتعالى: “شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَان” البقرة:186.   قراءة القرآن الكريم عبادةٌ عظيمة، غَفَلَ عنها الكثيرون، ذلك لعدم استشعارهم الأجر العظيم الّذي تترتّب عليها، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، قال: “مَن قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول “آلم” حرف، ولكن ألفٌ حرف ولامٌ حرف وميمٌ حرف” رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. فكلّما قرأ المؤمن آيات الله تعالى، تضاعفت حسناته، وامتلأت صحائف أعماله “إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الْصَّلاَةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُور” فاطر:35. والمقصود بـ”يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ” الّذين يُداومون على قراءته واتّباع ما فيه، حتّى صار ذلك سمةً لهم وعنوانًا، فمثل هؤلاء قد عقدوا مع الله عزّ وجلّ صفقةً رابحةً. وقراءة القرآن تشفع لصاحبها يوم القيامة، فقد روى أبو أُمامة الباهلي رضي الله عنه، أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “اقرأوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعًا لأصحابه، اقرأوا الزّهراوين: البقرة وسورة آل عمران، فإنّهما تأتيان يوم القيامة كأنّهما غمامتان، أو كأنّهما غايتان، أو كأنّهما فرقانٌ من طير صواف، تحاجّان عن أصحابهما، اقرأوا سورة البقرة، فإنّ أخذها بركة وتركها حسرة، ولا تستطيعها البطلة” رواه مسلم، ومعنى “البطلة”: هم السّحرة. ومن فضائل قراءة القرآن الأخرويّة: ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “يُقال لصاحب القرآن: اقرأ، وارْقَ، ورتّل كما كنت ترتّل في الدّنيا، فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرؤها” رواه أحمد وأصحاب السنن عدَا ابن ماجه. ويتفاوت النّاس ويتباينون في قدرتهم على قراءة القرآن الكريم ومهارتهم فيه، ومن ثَمَّ  كان لكلّ واحدٍ منهم فضلٌ وأجرٌ بحَسَبِه، مصداق ذلك ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: “الّذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السّفرة الكرام البررة، والّذي يقرأ القرآن وهو عليه شاق له أجران” متفق عليه. كما أنّ الحديث عن قراءة القرآن يقودنا إلى مسألة تدبّر آياته، والّذي تأمّل معانيه، والتفكّر في حِكَمه والتبصّر بما فيه من الآيات، وقد ورد الأمر بذلك في قوله سبحانه وتعالى: “أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا” النّساء:82، وقوله تعالى: “كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ” ص:29، وقوله سبحانه: “أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا” محمّد:24. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “وأمّا التأمّل في القرآن، فهو تحديق ناظر القلب إلى معانيه، وجمع الفكر على تدبّره وتعقّله، وهو المقصود بإنزاله، لا مجرّد تلاوته بلا فهم ولا تدبّر”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات