+ -

من الانحرافات الخطيرة في التّفكير، قبول الفكرة لمجرّد أنّ فلانًا قالها؛ لهذا تكرّر قول الله عزّ وجلّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين} مرّتين، كما قال سبحانه: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}، {فَقُلْنَا هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ}، اهتمامًا بهذه القاعدة الجليلة: أنّ لا تقبل أيّ دعوى من أيّ مدعٍ بغير برهان. وهي أحد أسس التّفكير السّليم والعقلية العلمية الّتي يغرسها القرآن العظيم في أتباعه، ويطلب منهم الالتزام بها واعتناقها في كلّ القضايا وكلّ المناحي، فالدّعوى الّتي لا يشهد لها دليل، ولا يدلّ على صدقها برهان هي لا شيء في ميزان القرآن الكريم، وفي واقع النّاس لو كانوا يعقلون.إنّ القرآن الكريم يسمّي الدّليل والبرهان سلطانًا {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} لِما له من قوّة تخضع لها عقول النّاس كخضوعهم لسلاطينهم، أمّا قبول القول بلا دليل، وقبول الدّعاوي بلا برهان، وقبول الشّائعات بلا حجّة، فهذا ضربٌ من الجهل وقلّة العقل. وقد قعّد علماؤنا قاعدة جليلة لو التزم بها النّاس لسقط الكثير من الشّائعات، ولَفُضح الكثير من الدّعاوي، قالوا: إذا كنت ناقلاً فالصِّحّة، وإذا كنتَ مُدعيّا فالدّليل. فمن نقل خبرًا لا يقبل منه حتّى يبيّن صحّته، فليس كلّ ما يُشاع وينتشر صحيحًا؛ فكم ظلم أناسٌ وشوّهوا بسبب أخبار كاذبة ملفّقة سهّل التطوّر انتشارها مع بطلانها!. ومَن ادّعى دعوى لا تقبل منه حتّى يقيم البُرهان على صحّتها، فليس كلّ ما يكثر معتنقوه ومصدّقوه صحيحًا، فكم صدّق النّاس مقولات خاطئة واعتنقوا مذاهب ضالة ضارّة لوثوقية مَرَضية من غير تثبّت وبحث عن البُرهان، فضَلُّوا وأضَلُّوا!. ولا اهتداء إلاّ باعتماد هذا الهديّ الربّانيّ: قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ!.إمام وأستاذ الشّريعة بالمدرسة العليا للأساتذة

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات