+ -

نحن في العشر الأواخر من رمضان، فهل لكم أن تفيدونا بفضلها والأعمال الّتي ينبغي أن نحرص عليها طوالها، وفي أيّها تكون ليلة القدر؟ ها هو شهر رمضان يمضي بسرعة، عشرون يومًا انقضت وما بقي لنا منه إلاّ عشرًا، لكنّها عشر فاضلة، تفتح ذراعيها للّذين فرّطوا في العشرين الماضية، وتدعوهم للخيرات والبركات العظيمة، ولنا في رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الأسوة الحسنة، قال تعالى: {لقدْ كانَ لكُم في رسولِ الله أسوَةٌ حسَنَةٌ لمَن كان يرجُوا اللهَ واليومَ الآخرَ وذَكَر اللهَ كثيرًا} الأحزاب:21، حيث كان صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في غيرها من أيّام الشّهر كما روَت عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول اله صلّى الله عليه وسلّم يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيرها” رواه مسلم.وكان صلّى الله عليه وسلّم يُحيي لياليها بالقيام والدّعاء ويوقظ أهله حتّى لا يفوتهم فضل العبادة فيها. قالت عائشة رضي الله عنها: “كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا دخل العشر أحيى الليل وأيقظ أهله وشدّ المئزر” رواه البخاري ومسلم، وشدّ المئزر أي اعتزال النّساء من أجل التّفرّغ للعبادة، ولابُدّ أن يحرص كلّ واحد منّا على إدراك فضائلها من جميع أفراد البيت، قال سبحانه وتعالى: {يَا أيُّهَا الّذِينَ آمَنُوا قُوا أنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} التّحريم:6، وقال سبحانه وتعالى: {وأمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} طه:132، وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: “لم يكن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا بقي من رمضان عشر أيّام يدع أحدًا من أهله يطيق القيام إلاّ أقامه”. وقال صلّى الله عليه وسلّم: “رحم الله امرأة قامَت من اللّيل فصلّت وأيقظت زوجها، فإنْ أبَى نضحت في وجهه الماء” رواه البخاري ومسلم، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كما ذكرنا يحيي ليالي العشر الأواخر بالصّلاة والدّعاء وقراءة القرآن، أي أنّه لا ينام فيها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم يخلّط العشرين بصلاة ونوم، فإذا كان العشر - يعني الأخير - شمّر وشدّ المئزر” رواه أحمد، فإن كانت هذه حاله صلّى الله عليه وسلّم إذا أقبلت العشر الأواخر وقد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، فكيف بنا نحن؟ وزيادة على ما في رمضان من فضل وخير وعلى ما في كلّ ليلة من إجابة الدّعاء في ساعة مخصوصة كما ثبت في صحيح البخاري عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “ينزل ربُّنا تبارك وتعالى في كلّ ليلة إلى السّماء الدّنيا حين يبقى ثلث اللّيلة الأخيرة فيقول: هل مَن يدعوني فأستجيب له، ومَن يسألني فأعطيه، ومَن يستغفرني فأغفر له”.قلت زيادة على ذاك وذاك، فإنّ في العشر الأواخر من رمضان ليلة هي خير من ألف شهر، وهي ليلة القدر، ليلة أمرُها عظيم والخير فيها جزيل وعميم، قال الله تعالى عنها: {فِيهَا يُفْرَق كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ} الدّخان: 4، أي فيها تُقسّم الآجال والأعمار والأرزاق، ومَن قامها إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه، فقد ثبت عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدّم من ذنبه” أخرجه البخاري ومسلم. وليلة القدر آكدة في العشر الأواخر، ففي الصّحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: “تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان”، وفي رواية: “في الوتر من العشر الأواخر من رمضان” أخرجه البخاري ومسلم، وقد رجّح أهل العلم أنّها ليلة السابع والعشرين من رمضان كما ذكر ابن حجر العسقلاني في الفتح: (وأرجحها عند الجمهور ليلة سبع وعشرين”، وقد ثبت في صحيح مسلم أن أُبَيْ بن كعب رضي الله عنه قال: “والله الّذي لا إله إلاّ هو إنّها لفي رمضان - يحلف ما يستثني - والله إنّي لأعلم أيّ ليلة هي، هي ليلة القدر الّتي أمرنا بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقيامها، هي ليلة صبيحة سبع وعشرين، وأمارتها أن تطلع الشّمس صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها” أخرجه مسلم. فإذا أدرك المؤمن هذه اللّيلة، فليتضرّع إلى الله جلّ جلاله فيها بالدّعاء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “قلت يا رسول الله: أرأيت إن علمت أيّ ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي “اللّهمّ إنّك عفوٌ تُحِبُّ العفو فاعْفُ عنِّي” رواه الترمذي وابن ماجه وهو صحيح. وليدع الجميع أن يصلح حال الأمّة الإسلامية وحال بلادنا الجزائر، وأن يوفّقنا الجميع لما يُحبّ ويرضى.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات