+ -

“لم نستطع أن ندبر أمورنا بالمرة، حتى الأكل مش ملاقيين ناكل، الوضع الاقتصادي صعب.. شغل ما فيه مثل ما أنت شايف والوضع مأساوي، يا ناس حلونا إيش نسوي وين نروح؟”، يختصر هذا المواطن الفلسطيني جزءا من حياة الغزيين في شهر رمضان المبارك، حالة مثل حياة الكثيرين من تحرمهم الأوضاع الاقتصادية المتجذرة من الحصول على أدنى متطلبات الحياة ليفقد الشهر الفضيل الكثير من بهجته.في جولة لـ“الخبر” في أسواق غزة، تكتشف أنه رغم الحركة التجارية النشطة إلى حد ما، إلا أن الأسواق الغزية عادت إلى سابق عهدها من ضعف للحركة الشرائية، ما يعكس تدهور الأوضاع المعيشية لشرائح واسعة من الغزيين، في ظل ارتفاع معدلات البطالة والفقر.“رمضان هذا العام صعب”ويخشى الموظف في القطاع الحكومي، محمد عدنان، من عدم تمكنه من تلبية احتياجات رمضان لأسرته، رغم توفر البضائع في أسواق غزة. ويقول محمد (36 عاما)، وهو موظف في حكومة غزة: “رمضان هذا العام صعب، ولم نستلم سوى نصف راتب فقط”.ويتابع “هناك وعود، لكن لا أحد ينظر إلى معاناتنا.. لا أريد أن اشتري فوانيس لأطفالي؛ بل على الأقل أن يكون طعام على مائدة الإفطار للأولاد”.ويعيل هذا الشاب، وهو من سكان جباليا شمالي قطاع غزة، كان الاحتلال الإسرائيلي قتل عشرات من أقاربه وهدم عشرات من منازل العائلة صيف 2014، يعيل أسرة من تسعة أفراد، أصغرهم مرام ذات العامين.أحمد حجازي، صاحب إحدى البقالات، أشار إلى أن الحركة الشرائية على المستلزمات الرمضانية قليلة مقارنة بالسنوات القادمة، فمن المفروض أن تنتعش الأسواق التجارية في هذه الأيام، لكن هذا لم يحدث.ويضيف “متطلبات الحياة كثيرة وغالية، والديون تتراكم.. دخل الفرد لا يكفي لسد حاجات البيت والأولاد، وطبعا لن نشتري سوى الضروري لرمضان”.الحصاروفي هذا الإطار، يقول الخبير الاقتصادي، الدكتور ماهر الطباع، إن “رمضان يأتي في ظل أسوأ أوضاع اقتصادية تمر على قطاع غزة, فهذه السنة العاشرة على التوالي يأتي شهر رمضان في أسوأ أوضاع اقتصادية تمر بقطاع غزة منذ عقود، وذلك في ظل استمرار وتشديد الحصار المفروض على قطاع غزة، واستمرار الانقسام الفلسطيني، وعدم الوفاق وتفاقم أوضاع وأزمات المواطنين”.وفي سوق الزاوية، أحد الأسواق القديمة في قطاع غزة، ينظر المواطن نافذ رمضان (50 عاما)، وهو أب لسبعة أبناء، إلى البضائع الرمضانية التي زينت السوق، لكن دون قدرته على شراء أغلبها نظرا لتعطله عن العمل منذ سنوات، نتيجة عدم إدخال الإسمنت كونه يعمل في مهنة القصارة.وأشار رمضان إلى أن الشهر الكريم يعتبر من الأشهر التي تزيد بها المصاريف الخاصة بعائلتي، موضحا “اشتريت فقط المستلزمات الأساسية لهذا الشهر، كالوجبات التي يتناولها الغزيون على السحور”.ويقول المدير التنفيذي لشركة أبو حميد للمستلزمات الرمضانية، مدين أبو حميد: “قمنا بجميع التجهيزات لاستقبال شهر رمضان لهذا العام، لكنه يختلف عن الأعوام السابقة من ناحية الـقدرة الشرائية للمواطنين”، وبيّن أن المواطنين كانوا قديما يستعدون لاستقبال رمضان وتجهيز جميع المستلزمات قبل قدومه بعشرين يوما، “أما الآن.. فلا مظاهر له”.جو كئيبورغم الأوضاع المأساوية، فإن الأجواء الاحتفالية تنبعث في أزقة غزة، وفي مساجدها العامرة بالمصلين وحملات التزاور وصلة الأرحام فيما بينهم.ويتجمع أطفال مخيم الشابورة، وسط مدينة رفح، مع دنو الشمس إلى المغيب، للبدء في حفلة تصفيق وتهليل حول مدفع بدائي، صنعه أهل المخيم، للتنبيه بدخول وقت الإفطار في رمضان.وعلى مفترق أبو صابر، ينصب شباب المخيم قبل صلاة المغرب، مدفعهم الذي صنعوه من الخردة، لإدخال الفرحة على قلوب الأطفال، عدا عن اعتباره من طقوس رمضان المفقودة في قطاع غزة.الشاب حسن شبانة، 25 عاما، اجتهد خلال الأيام التي سبقت الشهر الفضيل في تجميع بعض القطع الحديدية من الخردة لتصنيع المدفع، ووضعه على مفترق طرق رئيسية في المخيم، ليصل مدى صوته لأكبر عدد ممكن من السكان.ويقول الشاب “الجو العام كئيب، حاولنا من خلال المدفع نشر جو من الفرحة على المواطنين، والأطفال خصوصا، اللي بيحضروا إلى مكان المدفع قبل المجموعة المسؤولة عن تزيين المخيم واستعمال المدفع”.وبين أزقة الشوارع الضيقة، رسم الشبان المتطوعون البسمة على شفاه الأطفال والكبار أيضا، بعد أن سلبها السواد الناجم عن انقطاع الكهرباء، والحصار المفروض على غزة منذ سنوات طويلة.  

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات