+ -

يقف سمير شارد الذهن أمام شباك بيع التذاكر في المحطة البرية لنقل المسافرين بالخروبة في العاصمة، تحمل يداه تذكرة سفر باتجاه ولاية جيجل في الساعة السابعة مساء و45 دقيقة، أي قبل أقل من عشرين دقيقة من موعد الإفطار.الصمت والهدوء خيّما على المحطة البرية، حركة بطيئة للمسافرين، لا سيارات أجرة ولا حتى سائقو “كلونديستان”، أغلب المحلات مغلقة أبوابها، ومن السهولة جدا عد المسافرين على أصابع الأيدي.خيمة الرحمةيفيق سمير من هواجسه وحساباته فجأة، ويقول دفعة واحدة: “الحافلة ستقلع بعد دقائق.. لم أحضر وجبة فطوري”، ولم يكمل كلامه حتى انطلق مسرعا يلتفت يمينا وشمالا بحثا عن محل يبيع الأكل الخفيف.خلال الجولة الاستطلاعية تكرر مشهد العلب البلاستيكية البيضاء التي تحملها أيادي المسافرين، مملوءة بالشوربة رفقة رغيف خبز وحبيبات تمر.. دلنا أحدهم على مكان توزيعها.كانت خيمة حمراء صغيرة منتصبة في مدخل المحطة بمبادرة من المنظمة الوطنية للطلبة الجزائريين، اصطف المسافرون في بهوها مشكلين طوابير طويلة في انتظار وصول دورهم للحصول على وجبتهم الخفيفة لتلبية نداء بطونهم، ولتسمح لهم على الأقل بمتابعة سفرهم الذي فرضته عليهم الظروف في شهر الصيام.إفطار في وقت الإمساكأجواء مشحونة وجميع اللهجات تدافعت على خيمة الإفطار، الكل يريد الحصول على وجبته قبل حلول موعد انطلاق الحافلة، وما هي إلا لحظات حتى دخل اثنان في معركة حامية أطلقت فيها عبارات السب والشتم، ولولا تدخل الحضور لتطورت الأمور إلى الأسوأ.يقول سمير الذي استعصى عليه الحصول على وجبة الإفطار لا بالمجان ولا بالنقود، والوقت لا يسمح له بانتظار وصول دوره كون الحافلة ستنطلق بعد لحظات، فتراجع إلى الخلف “لولا تدهور حالة والدتي لما سافرت في هكذا ظروف. الله غالب. سأنتظر توقف الحافلة في الطريق لتناول وجبة الإفطار والسحور مع بعض”.  في المطار الدوليولم تختلف أجواء المطار الدولي هواري بومدين في العاصمة عن أجواء محطة الخروبة، فالسكون خيم على المطار أيضا، والكل منشغل بتحضير مائدة الإفطار بما في ذلك أفراد الجمارك.ورغم أنه يباح للمسافر الإفطار في نهار رمضان، إلا أن أغلب المسافرين الذين اقتربت “الخبر” منهم أصروا على الصيام، باستثناء القادمين من دول بعيدة، مثلما هو الحال بالنسبة للسيد “محمد.م “ القادم من الولايات المتحدة الأمريكية.كان يدخن سيجارة داخل السيارة المركونة في الموقف، ولو لم يرد التحية لحسبته رعية أجنبيا يعتنق دينا غير الدين الإسلامي، يقول محمد وهو ينفث الدخان من فمه “أفطرت قبل 14 ساعة من الآن في مطار نيويورك، ثم من المستحيل الصيام في هكذا ظروف زمنية، فوقت الإفطار والإمساك مختلف تماما عن الجزائر”، وبلهجة تهكمية قال: “تتناول سحورك في أمريكا (بتوقيت أمريكا) قبل الانطلاق في السفر وتصل الجزائر في وقت السحور (بتوقيت الجزائر المحلي)”!وفي مخرج قاعة سحب الأمتعة اصطف البعض قبل لحظات من أذان المغرب، يحملون التمر واللبن، في انتظار قدوم أقاربهم وأصدقائهم من أوروبا، وهناك حتى من أحضر معه وجبة الإفطار بما فيها البوراك والشوربة في علب بلاستيكية، وهو ما وقفنا عليه بين أيادي خالة شيرين القادمة من مدينة ليون الفرنسية، التي من المفترض أن تصل في الساعة الثامنة و5 دقائق، “لكن مع تأخر الرحلات أكيد أنها ستصل بعد موعد الإفطار”، تقول الخالة.توغلت أكثر داخل قاعة سحب الأمتعة، حيث كان أصحاب البذل الزرقاء الوحيدون في القاعة، فاقتربت من رئيس الفرقة المتكونة من 9 جمركيين، الذي كشف لنا أن المسافرين لدى نزولهم في المطار أثناء وقت الصيام نعرض عليهم التمر واللبن لكسر صيامهم، وفي بعض الأحيان يشاركوننا المائدة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: