مشجعو أورو 2016 ينافسون الصائمين على الحلويات الجزائرية

+ -

تحوّل محل بيع الحلويات الجزائرية “الكنوز المسكّرة” الكائن بمقاطعة كريملين بيسترفي باريس هذه الأيام من الشهر الفضيل إلى قبلة لمشجعي الممنتخبات المشاركة في كأس أمم أوروبا 2016 التي تستضيفها فرنسا، من مختلف الجنسيات الإنجليزية، الكرواتية، الإيطالية، الإسبانية، الأيرلندية والألمانية، ومن أيسلندا، فقد أصبحت البقلاوة وقلب اللوز وكعب غزال وتشاراك العريان من أفضل ما يستهوي هؤلاء المشجعين، وحتى إن لم تكن الجزائر معنية بهذه البطولة الأوروبية، فإنها حاضرة بتقاليدها وعاداتها بفضل تمسك أبنائها بجذورهم، مع الحفاظ على التقاليد والأصالة خارج الديار، الأمر الذي يجعلهم مفخرة للجزائر وللجزائريين. عادت “الخبر” إلى “الكنوز المسكرة” لتسليط الضوء على أسرار محتوياته التي تحتل الصدارة في منطقة إيل دو فرانس بعد نيلها شهادة النوعية، لاكتشاف ما وراء صنع روائع الحلويات الجزائرية التقليدية الأصيلة بتنوع مذاقها إلى غاية شهرتها والإقبال عليها من قبل الأوروبيين المعروفين بملاحظاتهم الثاقبة للأشياء والتدقيق في صحتها، خاصة إذا ما تعلق الأمر بسلامة المستهلك.سر تدفق مشجعي أورو 2016حاولنا أولا معرفة سر التدفق الهائل لهؤلاء المشجعين الذين أصبحوا يزاحمون الصائمين وغير الصائمين في باريس قبل الإفطار وبعده، إلى ساعة متأخرة، فكانت إجابة صاحب المحل علي جلال بابتسامة جد متواضعة، ولخص الأمر في موقع المحل الاستراتيجي الكائن بمحاذاة “بورت دي إيطالي” والفنادق التي تؤوي عشاق الكرة المستديرة. غير أن شهادة بعض من استجوبتهم “الخبر” كانت معاكسة تماما، فقد أوضح هؤلاء بأن سر إقبالهم الكبير يكمن في الطعم اللذيذ لهذه الحلويات الجزائرية وما ينتجه الشاف علي من ملذات لم يتناولوا مثلها قط في بلدانهم، بل ذهب البعض منهم إلى أبعد من ذلك وطلبوا من صانع هذه الروائع استحداث محلات مماثلة في بلدانهم، مؤكدين أنها ستلقى رواجا هائلا وإقبالا منقطع النظير في كل من أيرلندا وإنجلترا مثلا.مخبر معقم بمعايير أوروبية صارمةتنقلت “الخبر” إلى أول نقطة حساسة لصناعة هذه الحلويات على مستوى مخبر “الكنوز المسكّرة” المعقم، والذي يخضع إلى أعلى مقاييس ومعايير النظافة المعمول بهما أوروبيا “أش أ سي سي بي”، المخبر الذي يضم فريقا رجالي يتكون من 14 شخصا يترأسهم صاحب المحل، الجميع يرتدي بدلة معقمة من الرأس إلى القدمين، يشرف علي جلال شخصيا على تحضير مختلف أصناف الحلويات المعروضة داخل المحل، بالحفاظ على نفس أصل المادة بإضفاء لمسة سحرية عليها مواكبة للعصر.ولدى سؤالنا عن غياب المرأة في صنع هذه الحلويات، أجاب مستضيف “الخبر” بأن عملية التحضير تتطلب مجهودات بدنية جبارة، بالنظر إلى الكميات المنجزة، لاسيما أن “الكنوز المسكرة” لا تلبي حاجيات الزبائن فقط وإنما تتجاوزها إلى طلبيات العديد من المؤسسات الكبرى والهيئات الفرنسية والتمثيليات الدبلوماسية الجزائرية، وعلى رأسها السفارة والقنصليات والمركز الثقافي الجزائري وكذا المطاعم الفاخرة وقاعات الشاي.تكوين سنتين لصنع الحلويات الجزائرية في باريسوقال علي جلال إنه يشرف على تكوين فريقه شخصيا لمدة لا تقل عن سنتين، تسمح لهم بتحضير كل الأصناف التي تعرض داخل “الكنوز المسكرة” حتى يتخرج على يديه مواهب بأتم معنى الكلمة، بإمكانهم المنافسة والتحدي في المحافل الدولية، مع التمسك بالجذور والمنتج الأول الجزائري الأصيل، باستعمال اللوز والفستق، مع الابتعاد عن كل أنواع الفول السوداني.ويغرق علي في طريقة تحضير قلب اللوز أكثر الحلويات المروجة في رمضان قائلا إنه يجب استعمال السميد الصلب، السمن، اللوز ثم يترك ليستريح لمدة 8 ساعات، ثم يعاد من جديد عمل العجينة، وغالبا يتم تحضير ذلك في المساء لليوم الموالي، على أن تتعدى عملية الطهي ساعة واحدة تسقى بعدها بماء الزهر، عكس طريقة تحضير الزلابية التي يتم تحضير العديد من الأنواع منها، وهي أكثر تعقيدا، فزلابية بوفاريك مثلا يتطلب تحضير عجينتها 4 إلى 5 أيام وسط شروط دافئة، إلى جانب الأنواع الأخرى الزلابية البرتقالية، “الحرشة” القسنطينية وذلك تلبية لطلبات الزبائن.الجاليات المسلمة الأخرى ليست محرومةولم يقتصر علي جلال على تقديم الحلويات الجزائرية، بل تعداها إلى تلك اللبنانية والمغربية والتركية كل بنكهته، ويجد عشاق المذاق الحلو ضالتهم وسط هذه الروائع التي لا تحتوي على نسبة عالية من السكر، وهي خالية من زيوت الفول السوداني، وذلك حتى لا يتم حرمان الجاليات الأخرى من نصيبها في تناول وتذوق حلوياتها، إلى جانب التعريف بها وعرضها للجزائري والأوروبي لاستكشاف نكهتها.طوابير تتكرر كل رمضانولا تزال نفس المشاهد تتكرر خلال رمضان من كل سنة، أمام محل بيع الحلويات الجزائرية والشرقية التي تحتل الريادة، إذ يقف أعضاء الجالية الجزائرية إلى جانب المسلمين الصائمين من مختلف الجنسيات ساعات قبيل الإفطار في طوابير لا متناهية تبدأ في أوقات مبكرة، يقصد هؤلاء المحل لشراء مختلف أصناف الحلويات الجزائرية بنكهاتها الخاصة التي تزين موائد رمضان، لقضاء السهرة مع أفراد العائلة والأحباب يوميا وخلال نهاية كل أسبوع.ويقصد المحلَّ مئات الزبائن أغلبهم جزائريون، يقطع البعض منهم مسافات طويلة من أجل تذوق قلب اللوز والسيقار والمقروط والزلابية وكعب غزال والبقلاوة وسيقار الياسمين المحشي باللوز، وغيرها من الأصناف التي تزين واجهة المحل وتسيل لعاب الصائمين وغير الصائمين في باريس.طوابير تملأ الشارع الرئيسي بمحاذاة أكبر مركز تجاري في المقاطعة، وحركة ونشاط منقطعا النظير داخل المحل، تذكرنا بالمشاهد نفسها التي اعتدنا عليها في رمضان في الجزائر، لكنها خالية من الشجارات وتتم في جو من النظام والهدوء.الهدف الحفاظ على الريادة مهما كان الثمنسألنا مجددا علي جلال عن سر مذاق هذه الحلويات الجزائرية التي تجذب المئات أو الآلاف مع الشهر الفضيل من أعضاء الجالية، بالإضافة إلى العديد من الأوروبيين، فأكد أن السر يكمن في حب المهنة، وهو مولع بحرفته التي بدأها في سن 12 من عمره، حين كان يساعد والدته في صنع الحلويات، إلى أن صنعت منه أحسن موهبة في منطقة إيل دو فرانس بشهادة غرفة الحرف والصناعات التقليدية في باريس التي منحه من خلالها المركز الجهوي للتقييم الغذائي “سرفييا” شهادة النوعية، ليحتل المحل بذلك المرتبة الأولى في الناحية بأكملها، جاءت كهدية لإطفاء “الكنوز المسكرة” شمعتها العشرين 20 في باريس السنة الماضية.وعن المستقبل قال صاحب هذه المؤسسة العائلية المنحدرة من مستغانم إنه يطمح في تكوين المزيد من الشباب، لكن الهدف الوحيد الذي يعمل عليه الآن هو الحفاظ على الريادة في الجودة والنوعية مهما كان الثمن، والظفر بمكانة دولية وفقا لشروط مشرفة ترفع الرأس وترضي الزبون.هذا الاعتراف والإقرار بالجودة وذوق الحلويات لم يدفع “الكنوز المسكرة” إلى الدخول في التنافس في الأسعار مع نظيراتها التي ضاعفت الثمن، احتفظت “الكنوز” بأسعارها بالرغم من ارتفاع أسعار المواد الأولية، لكنها فضلت راحة جيوب زبائنها بالإبقاء على سعر 1.20 أورو لحبة البقلاوة وكل حلويات اللوز للقطعة الواحدة، و8.50 أورو لسينية قلب اللوز، يقول علي، مركزا على احتفاظ المحل أيضا بمكان ذوي الدخل الضعيف حتى لا يحرموا من نصيبهم.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات