+ -

 قال محمد العيد بوخناف الذي يقارب عقده السابع، وهو يبتسم لأننا أعدناه لفترة صباه عندما بدأ الصوم، واستعنا في الحصول على تصريحاته بجاره عبد الحميد مسعودي الذي استقبلنا في محله الخاص بتصليح الأحذية بسوق وادي الزناتي. جلس الشيخ محمد العيد على مقعد خشبي، وبكل ترحاب تحدث عن الزمن الجميل الذي لم يعرف فيه “القلق”، “التبذير”، كانت الرحمة والمودة قائمة والعائلة مجتمعة، تحدث عن زمن الاحتلال وعن الفترة التي تلته، عن وقت لم يعرف فيه سكان قرية قابل لهنادة بسلاوة عنونة، بعد شربة الفريك ويكتفون بذبح “سردوك عرب” وكسرة الشعير.قال السيد بوخناف “عندما بدأت الصيام كنت أعمل راعيا للأغنام، كانت عائلتي فقيرة، كل ما يمكننا تأمينه في تلك الفترة هو كسرة مطلوع، ونكتفي أحيانا بذبح سردوك عرب، ولم نكن نعرف شربة الفريك، كل ما هناك مرق الدويدة أو لسان العصفور، وفي السحور نحضر البربوشة، وعندما يتوفر التين الشوكي المشهور محليا بالهندي، نعتمد عليه في السحور أيضا، ونحضر للعيد خبز الدار والمقرود”، وكشف محدثنا عن بعض مغامراته مع الصبيان للمرة الأولى وقال “أحيانا كنت أتظاهر بالصوم وعندما أجوع آكل الحمص أو القرنون، ومرة شربت بعض اللبن ولم أخبر أمي، كما أنني لم أطلع زوجتي بذلك”، يقول ذلك وهو يضحك.كرر بوخناف مرارا عبارة “كنا نصوم حتى في وقت الثورة، ولا وجود للقلق والشجار، ويمر اليوم بهدوء، حتى إذا حان موعد الإفطار يقوم كبير الدوار أو إمام بإشعال بعض الحشائش اليابسة (الديس) ليعلم الناس أنه الموعد، ولم تعرف العائلات القلق أو التبذير، أما اليوم فالناس تصوم على كرشها، ونحن صمنا على الكسرة والماء وقنعنا بذلك”. سألنا بوخناف عن ظروف الصوم خلال الاحتلال الفرنسي فقال “في تلك الفترة كنت في الثانية عشرة من عمري، أذكر عندما يحل الفرنسيون يحاول الناس الاختباء منهم، أما الملاحقون من المجاهدين فيظلون صائمين، إن تسنى لهم الاحتماء بأحد المنازل فيكتفون خلال الإفطار بالماء والكسرة أو اللبن أحيانا”.من جهته حدثنا أحد المواطنين عن رمضان بين البارح واليوم قائلا “يمكن مقارنة رمضان بين السابق واليوم، من خلال الفقر المدقع الذي ميز تلك الفترة، والخير الوفير حاليا، وعلى الرغم من أن المواطنين اشتهروا بوفرة الماشية لكنهم لا يذبحونها ويكتفون بكسرة الشعير والماء، ويتهيئون لاستقبال الشهر برحي قنطار من القمح كمئونة العائلة، واستمر هذا الحال حتى منتصف السبعينيات حين جاء الخير يوم خلقت مزارع الثورة الزراعية، فأصبح الفقير مثل الغني، وأقول إن رمضان زمان فيه البركة، والآن ورغم كثرة الأصناف والخيرات، لكن لا يشعر به أحد، وكانت النية والعائلة مجتمعة”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: