+ -

قال يحيى بن معاذ رحمه الله: “الدّنيا حانوت المؤمنين، واللّيل والنّهار رؤوس أموالهم، وصالح الأعمال بضائعهم، وجنّة الخلد أرباحهم، ونار الأبد خسرانهم”. الأرباح والخسائر هي محور مقالتي اليوم، خاصة ونحن نعيش السّاعات المعدودات الأخيرات من رمضان، وذلك ليتسنّى للمكلّف أن يمعن النّظر في عظمة الأرباح، وكذا إلى فداحة الخسائر من جهة أخرى.  الدّنيا حانوت المؤمنين، الدّنيا كلّها ليست شهرًا من عامها، ولا وقتًا من أوقاتها، ولا حالاً من أحوالها، ولا بلدًا من بلادها، الدّنيا حانوت المؤمنين، وأين رأس المال؟ إنّه اللّيل والنّهار، الأيّام والأعوام، كلّ لحظة من اللّحظات، كلّ ساعة من السّاعات، كلّها رأس مال يمكن أن تنفقه وتأخذ كسبًا، أو تبدّده وتعود بخسران، والعياذ بالله.فما هي هذه البضائع الّتي نعمل فيها؟ إنّها صالح الأعمال، إنّها الأعمال الصّالحة الّتي لا تقتصر على زمان، ولا تختص بمكان، ثمّ ما هي النتيجة في الأخير؟ إمّا الرّبح فجنّة عرضها السّماء والأرض أعدّت للمتّقين، وإمّا الخسارة فهي أفدح خسارة، وأعظمها نار وقودها النّاس والحجارة، نسأل الله عزّ وجلّ السّلامة.خُذ العمر في أوّله، واعمل منه في أفضله، وائت باجتهادك بأتمه وأكمله، واسع سعي مَن يخاف أن ينقطع عن المنزل ويُحبس عنه فلا يصل، قبل أن يضعف جِدُّكَ، ويكد زندك، ويحبسك الكبر، ويفنيك الهرم، وتندم وأنى ينفعك النّدم، ومَن سعى في الشباب وجد ذلك في الكبر أمامه، وكان النّجاح حليفه.اسمع رعاك الله إلى هذه الوصية الّتي بعث بها الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز: “أمّا بعد: فإنّ مَن حاسب نفسه ربح، ومَن غفل عنها خسر، ومَن نظر في العواقب نجَا، ومن أطاع فهو أفضل، ومن حلم غنم، ومن اعتبر أبصر، ومن أبصر فهم، ومن فهم علم، فإن زللت فارجع، وإذا ندمت فأقلع، وإذا جهلت فاسأل، وإذا غضبت فأمسك، واعلم أن أفضل الأعمال ما أكرهت عليه النّفس”.ودخل رجلٌ على الجُنَيد وهو يُصلّي -وقد أطال صلاته- والرجل ينتظر، فلمّا قضى صلاته قال للجنيد: قد كبُرت سنّك، ووهن عظمك، ورقّ جلدك، وضعفت قوتك فلو اختصرت، لِمَ هذه الإطالة؟ ولأيّ شيء تلك المشقّة؟ ولِمَ هذا التحمّل؟ فقال العالم الربّاني: [اسكت، إنّه طريق عرفنا به ربّنا، لا ينبغي لنا أن نقتصر منه على بعضه، ومَن ترك طريق القُرب يوشك أن يسلك طريق البُعد]، فطريق معرفة الله أخي الفاضل ليس في رمضان، وموسم طاعته ليس مقتصرًا على ثلاثين يومًا في العام، بل هو على مدار العمر كلّه.هل فكّرنا كم هي خسارتنا ونحن كأنّما نركَل النّعم بأقدامنا، كأنّما قد صُمَّت آذاننا، فلا نسمع تلك الآيات، ولا نعرف تلك الأحاديث، كأنّ قلوبنا ليس فيها شيء يبعثها إلى التّرغيب وإلى التحبّب وإلى العمل بهذه الطّاعات رغبة في تلك الأجور، وتأمّلاً في تلك الأرباح العظيمة.إمام مسجد عمر بن الخطاببن غازي ـ براقي

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات