+ -

 من الانحرافات في التّفكير: سيطرة الأفكار المسبقة على فكر الإنسان، حتّى تجعل بينه وبين الحقّ حاجزًا، وتصرفه عنه، وتعمي بصره عن رؤية الآيات البيّنات، وتصمّ أذنه عن سماع الحجج الباهرات، وتغلّ عقله عن تفهّم البراهين القاطعات.هذه الأفكار المسبقة الّتي عادة ما تكون نتيجة لنظرة متسرّعة إلى الآراء والأشخاص، أو لنظرة موروثة من غير تمحيص، أو لنظرة مرتجلة دون تعمّق في دراستها، أو تكون صدى لآراء شخص مشهور فيها!!. وهي تتحكّم في المبتلى بها لدرجة غريبة تجعله يرفض الحقّ البيّن، ويموت في سبيل الباطل الصُّراح!!.وفي القرآن الكريم أمثلة للأفكار المسبقة وأين تصل بأصحابها، ومن ذلك موقف فرعون حين طلب إحضار أعلم السّحرة لتحدّي موسى عليه السّلام: “قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ”، ولم يكن قصده اتّباع الحقّ بل موقفه كان حاسمًا قبل المواجهة، ولذلك قال: “لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ”، وهذا شأن المغرورين بهواهم، الخاضعين لأفكارهم المسبقة، أنّهم لا يفرضون من الاحتمالات إلّا ما يوافق هواهم ولا يتقبّلون مجرّد التّفكير لاحتمال نقيضه. ولهذا لمّا تبيّن للسّحرة أنّهم أمام أمر معجز، لا قبل لسحرهم به، خضعوا وأسلموا، ولكن بعد أن شهد لهم فرعون بعلمهم بالسّحر نجده يقول لهم: “قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ”، فصيّرهم تلاميذ لموسى عليه السّلام بعد أن ارتضاهم لتحدّيه، وما ذلك إلاّ استمساكًا بأفكاره المسبقة على سخافتها وسذاجتها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات