+ -

 مرة أخرى يلزم القرآن الكريم المعاندين والمنكرين بالتفكير دليلاً وحجة وبرهانًا، رفعًا لقدر التفكير وحثا عليه، إذ يقول الحق سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنةٍ إِنْ هُوَ إِلا نَذِيرٌ مُبِينٌ *  أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَي حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ *  مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}، هكذا يكتفي القرآن في إبطال مزاعم المشركين بأن يطالبهم بالتفكير؛ لأن الحقيقة وليدة التفكير، والوصول إلى الصواب نتيجة التفكير، والاقتناع فرع عن التفكير، وتطوير العلوم واكتشاف المجهول رائده التفكير، كما أن الانتفاع الصحيح بوحي الله عز وجل نتيجةٌ للتفكير القويم.وهذه الآية وغيرها توضح ذلك وتؤكده، فمعنى الآية كما يقول الإمام ابن الجوزي رحمه الله: “ومعنى الآية: {أَوَلَمْ يَتَفَكرُوا} فيعلموا {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنةٍ}، أي: جنون، فحثهم على التفكر في أمره ليعلموا أنه بريء من الجنون، {إِنْ هُوَ} أي: ما هو {إِلا نَذِيرٌ} أي: مخوف مُبِينٌ يبين طريق الهدى. ثم حثهم على النظر [والنظر التفكير] المؤدي إلى العلم فقال: {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السماواتِ وَالْأَرْضِ} ليستدلوا على أن لها صانعًا مدبرًا”.وقال سيدي عبد الرحمن الثعالبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: “ويظهر مِنْ رصف الآية أنها باعثةٌ لهم على الفِكْرة في أمره صلى الله عليه وسلم وأنه ليس به جنةٌ كما أحالهم بعد هذه الآية على النظَرْ [وهو التفكير]”. فقوله سبحانه: {أَوَلَمْ يَتَفَكرُوا} إنكارٌ لعدم تفكرهم في شأنه، المبين صدقه، وصحة نبوته، وحث لهم وبعث على التفكير. ونحن المسلمين المصدقين بهذا الكتاب أولى منهم بالامتثال بهذا الأمر!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات