+ -

تصل إلى الصحافة الوطنية يوميا مئات الرسائل المفتوحة الموجهة إلى رئيس الجمهورية مباشرة، وفي حالات أقل إلى وزراء مختلف القطاعات، من مختلف أحياء وبلديات ودوائر وولايات الوطن، ينادي أصحابها بالتدخل العاجل لإنهاء معاناتهم واسترجاع حقوقهم وانتشالهم من الضياع. وتتضمن الرسائل شكاوى وقضايا تتعلق أساسا بالسكن، الطرقات، التشغيل، الصحة، مشاكل العقارات والخلافات العائلية حول الميراث، وأحيانا قضايا الزواج والطلاق أيضا، في جو يوحي بعدم وجود إدارة محلية، ولا عدالة ولا منتخبين محليين. مشاكل البلديات، الأحياء الشعبية والخلافات العائلية أيضا في يد الرئيس! المنتخبون بشعار “أنا وبعدي الطوفان”  اتجاه المواطنين إلى مراسلة رئيس الجمهورية عبر الصحافة في انشغالات يملك رئيس البلدية والسلطات المحلية كل الصلاحيات لحلها، يدفعنا لنتساءل حول حقيقة المهام التي يقوم بها المنتخبون المحليون عبر التراب الوطني، وهل أصبحت “الرسالة المفتوحة” الحل الوحيد الذي يعلق عليه الناس آمالهم لحل مشاكلهم؟ هل يئسوا فعلا من معالجة قضاياهم ببلدياتهم ودوائرهم أو حتى على مستوى ولاياتهم فسارعوا لرفعها إلى رئيس الجمهورية؟ أم أنهم من “ذوي الخبرة” في التعامل مع السلطات المحلية، فقرروا عدم تضييع وقتهم أمام مكاتب رؤساء البلديات والدوائر ومراسلة الولاة طمعا في مقابلةٍ لا تحدث أبدا، مختصرين الطريق من خلال توجيه رسالة مفتوحة إلى الرئيس عند أول مشكلة تصادفهم؟!الرسالة المفتوحة قضية “رأي عام”بعد سنوات طويلة من المعاناة من أجل الحصول على سكن اجتماعي، قررت السيدة بوخلاط نادية من وهران (45 سنة) توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية وأخرى إلى وزير السكن من أجل إنصافها. تقول المتحدثة لـ “الخبر” “طرقت كل الأبواب ومررت بكل المراحل، ولكن مشكلتي لم تحل على المستوى المحلي، الحل الوحيد أن أراسل الرئيس”. وتضيف أنها سبق أن نشرت رسالة مفتوحة عبر الصحافة لوزير الإعلام بسبب طردها من عملها تعسفيا، بسبب مطالبتها بالتصريح بها وتأمينها اجتماعيا، وتقول المتحدثة “توجهت إلى مفتشية العمل، وبعدها تم تحويل القضية إلى القضاء، في النهاية كتبت الرسالة”. وفي سؤالنا حول تأثير مراسلتها للوزير، أكدت نادية أنها لم تحدث أي تغيير يذكر، بالرغم من أنها أعادت نشرها عبر نطاق واسع في الإنترنت أيضا، مضيفة أن هدفها من ورائها كان فضح التجاوزات التي ترتكب في حق العمال على المستوى المحلي، وأنها لم تكن متأكدة أن الوزير سيقرأها وإنما كانت تريد تحويل قضيتها إلى قضية “رأي عام”. وبالرغم من “خيبة الأمل” التي خلقها عدم تدخل الوزير لحل مشكلة نادية في عملها، فإنها تصر مرة أخرى على مراسلة رئيس الجمهورية من أجل “السكن الاجتماعي”.لا يقتصر هذا التفكير على نادية، بل إن أغلب الذين يراسلون الرئيس يكونون شبه متأكدين أنه لا يقرأ شخصيا رسائلهم، ولكنهم يعتبرون “الرسالة المفتوحة” طريقة لإيصال مشاكلهم إلى الرأي العام وفضح تجاوزات المسؤولين المحليين وتخويفهم عبر الصحافة، حيث وجه كريم من العاصمة رسالة مفتوحة إلى الرئيس بشأن استثنائه من عملية الترحيل بعد شهرين كاملين من التنقل بين البلدية والدائرة والولاية. ويقول كريم لـ “الخبر” “كان يجب فضحهم وإجبارهم على إعادة النظر في قرار إقصائي من قائمة السكن، في النهاية نجحت في استرجاع حقي عبر الصحافة”. نفس الأمر يؤكده سكان حي بالدار البيضاء سئموا من انتظار تدخل رئيس البلدية لفتح طريق عام تم غلقه تعسفيا، وأمام تجاهل الوالي مراسلاتهم لأكثر من سنتين، وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد هو مراسلة الرئيس من أجل “فتح طريق عام بحيهم”!.توثيق الملفات للضغط على القضاء “الرسالة المفتوحة” يعتبرها مواطنون آخرون غطاء يمكن أن يقيهم من تلاعب لوبيات الفساد المحلي وأصحاب المال والنفوذ بملفاتهم المطروحة على مستوى الإدارة المحلية أو أمام العدالة، كتلك المتعلقة بالمؤسسات، العقارات، الاستثمارات، المشاريع وغيرها، حيث يلجأ المواطنون إلى مراسلة الرئيس لتوثيق قضيتهم خوفا من الرشوة التي قد تسلبهم حقهم، وبالتالي ضرورة الضغط على المسؤولين والعدالة عبر “الرأي العام” من خلال الصحافة الوطنية. ويؤكد د. خالد، وهو مقاول، أنه راسل العديد من الوزراء ثم رئيس الجمهورية من أجل استرجاع قطعة أرضية ملك له، بعد قيام السلطات الولائية ببيعها لمؤسسة كبيرة لديها نفوذ، ونتيجة تجاهل الوالي للرسائل الموجهة له من أجل إعادة النظر في قرار بيع قطعة أرضٍ هي في الحقيقة ملكيته الخاصة، كانت “الرسالة المفتوحة” خياره الوحيد، ويوضح خالد “الوالي لم يرد إطلاقا على مراسلاتي ولم يستقبلني فنقلت القضية إلى الرئيس”.من جهته يعتبر نواري قرميط، ناشط في إطار محاربة الفساد في ولاية الجلفة، أن مشاكل المواطنين لا تحل محليا بسبب “الفساد الرهيب” المنتشر في القاعدة، والذي يمس العدالة بشكل كبير، ويقول نواري “الفساد منتشر والمنتخبون المحليون مأمورون بحماية المفسدين”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: