"قمع المنتخَبين متعمَّد للحفاظ على ولاء المواطن للنظام"

+ -

ما هي أسباب فشل السلطات المحلية والمنتخبين المحليين في حل مشاكل المواطنين واتجاههم إلى مراسلة رئيس الجمهورية في قضايا ومشاكل يمكن حلها محليا؟ صعب أن نحصر الأسباب التي تقف خلف هذا الفشل كما سميته، لأن المشكل معقد بعض الشيء ويحتاج تحليلا لخلفيات سلوك الأطراف الثلاثة الفاعلة فيه: المواطن في حد ذاته، المنتخَب، والسلطات المركزية، “مؤسسات وأشخاص”. قد يبدو ظاهريا أن السبب هو رئيس البلدية، المنتخَب المحلي (أعضاء المجلس الشعبي البلدي)، وهذا صحيح في كثير من الأحيان، لأن فئة كبرى من هؤلاء، بمن فيهم رؤساء البلديات، ليسوا مؤهَّلين بتاتا لتسيير الشأن العام، ولا يملكون أدنى شروط الكفاءة العلمية والاحترافية العملية والدراية المطلقة بالقوانين التي تتطلبها الحوكمة الجيدة والفعالة لمشكلات ومطالب المواطنين اليومية. وهذا يرتبط بفهم الثقافة السياسية والسلوك الانتخابي للمواطن الجزائري، لهذا سأركز على دور السلطات المركزية في هذه الظاهرة.ما هو دور السلطات المركزية؟ وهل هناك إرادة سياسية لتكريس هذا الفشل؟ غياب آليات فعلية لتعزيز اللامركزية وتوفير الشروط اللازمة لتطوير وتعزيز أداء الجماعات المحلية يُفسَّر من وجهة نظري بشيئين:أولا، غياب إرادة حقيقية لدى السلطات العليا نحو التخفيف من المركزية التي تميز عملية اتخاذ القرارات، وهذا ما يبقي “الحاكم المحلي” دائما خاضعا لـ “المسؤول المركزي”.ثانيا، غياب الثقة لدى المؤسسات والأشخاص الموجودين في مركز السلطة في المنتخبين المحليين، لاسيما في تحديد مفهوم “مصلحة عامة ونظام عام”، وهو في الجزائر “حق حصري” مكفول للسلطات العليا فقط. هذا السلوك يولِّد حالة من التردد لدى المنتخب المحلي في اتخاذ قرارات قد تبدو للرأي العام أنها بسيطة، لكن من موقعه كمسؤول يخشى أن يتخذ فيها أي قرار قد يكلفه باهظا. هذا يساهم في تعميق حالة اللاثقة التي تميز علاقة المواطن بالمسؤول المحلي، مقابل تعزيز الولاء للحاكم والمسؤول المركزي، لأنه في الأخير، المواطن يعطي ولاءه لمن هو فعال في حل المشكلات ولمن هو عادل.يقول المنتخَبون بالبرلمان وبالمجالس البلدية إن كلمتهم غير مسموعة لدى السلطات، ويعانون من القمع الإداري، ما جعل المواطنين لا يثقون بهم. ما هو تعليقك على هذا الواقع بالنظر إلى صلاحياتهم القانونية؟ مع احترامي الشديد لما يقولونه، لكنني من موقعي كمواطن قبل أي شيء وكمتابع للمشهد السياسي في الجزائر أقول إن هذا لا ينطبق إلا على فئة قليلة جدا من الممثلين السياسيين للشعب. المهمة الأساسية للممثل السياسي أو ما يعرف بالمنتخب مهما كان موقعه: أنه قبل كل شيء قناة لإيصال مطالب الجماهير وانشغالاتهم إلى السلطة التنفيذية وأصحاب القرار، ثم هو أداة للضغط على السلطة التنفيذية ومراقبتها ومحاسبتها باسم الشعب دائما. هذا هو جوهر وظيفة الممثل السياسي، والشعب انتخبَه كي يقوم بهذه المهمة، وشرعيته تبقى سارية المفعول طالما التزم بواجبه، وبالمقابل يصبح فاقدا لأي شرعية إذا تخلى عن هذه المهمة. ما نلاحظه في سلوك المنتخَبين في الجزائر شيء آخر تماما. كيف نتحدث عن أن كلامهم غير مسموع في وقت نجد أن كثيرا منهم يمارس التسويق والدعاية لقرارات الحكومة حتى وإن كانت ضد تطلعات الرأي العام؟ والمثال الحي في هذا الصدد هو قرار استكشاف واستخراج الغاز الصخري في الصحراء الجزائرية الذي عارضه الشعب وأيدته بشكل غريب فئة كبيرة ممن يفترض أنهم يمثلونه! إن غالبية المنتخبين في الجزائر يراعون في سلوكاتهم السياسية مصلحة “من يدفع لهم راتبهم” قبل مصلحة من منحهم المنصب، وبالتالي فإن غياب الثقة فيهم هو محصلة لأفعالهم، وشيء لا يحق لهم التحجج به في رأيي، لأن الثقة في الأخير شيء يكتسب بالتفاني في أداء الواجب.كيف يتعامل المسؤولون، ونقصد هنا رئيس الجمهورية والوزراء، مع الرسائل المفتوحة الموجهة لهم عبر الصحافة؟ التعامل يكون إداريا. هناك أجهزة خاصة لتجميع وفتح وقراءة وتصنيف الرسائل التي تصل إلى الرئيس والوزراء، سواء عبر الصحافة أو عبر البريد بأنواعه، قبل أن تعرض على المسؤول. سياسيا يمكن أن توظف معالجة المشكلات المعبر عنها في شكل رسائل من أجل تعزيز شرعية “التنفيذي” على حساب “التشريعي”، لأنني كما ذكرت قبل حين، المواطن يعطي ولاءه لمن يحل له مشكلاته، والوزير أو الرئيس يوظِّف هذا لتعزيز شعبيته وبالتالي “شرعيته”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: