فلام تصور بشاعة الحياة بعد الثورات

+ -

رسم فيلم المخرجة المصرية هالة خليل “صورة سوداء” عن مصر “ما بعد الثورة”. ومع ذلك، دافعت عن عملها بعد عرضه في قاعة سينما “المغرب”، مساء أمس الأول، وتشبثت بأن “أيام المجتمعات العربية مختلفة جذريا ولن تعود أبدا إلى ما كانت عليه قبل الثورات”. ولم تحكم المخرجة “بفشل ثورات الربيع العربي”، لكنها صورت تفاصيل الانحدار، وقمم البؤس وفقدان حقوق فئات المجتمع الهشة بعد سقوط “أنظمة الاستبداد”.وفي اليوم نفسه، تجول المخرج الفلسطيني عمر شرقاوي بالمشاهد في جحيم “اللجوء”، حيث ينحدر الإنسان إلى أعمق مستويات اللاإنسانية، بفيلمه “المدينة” الذي يمكن القول إنه احتوى أكثر الحالات قسوة، وضعيات أقوى من مخلفات الحروب.يروي فيلم “نوارة” المدرج في مسابقة الأفلام الطويلة في مهرجان وهران يوميات الفتاة نوارة المخطوبة لعلي، الذي ورث محلا لتصليح أجهزة الراديو والتلفزيونات، لكنه صار عاطلا، لأن الناس لم تعد تطلب خدماته. تعمل نوارة شغالة لدى عائلة أحد وجهاء مصر قبل الثورة، في “محمية” تضم فيلات أعيان النظام من مسؤولين وأثرياء. تهجر تلك العائلة إلى الخارج، حيث هرّبت ثروتها، وتترك الفيلا أمانة لنوارة. وفي خضم ذلك، تعيش مصر حالة غليان، وتعيش نوارة وخطيبها على أزمة مالية لعلاج والد هذا الأخير، وتحن عليها سيدة البيت الذي تحرسه وتأمرها بأخذ مبلغ من المال تركته في البيت.وفي اليوم الذي كان من المفروض أن تنفرج أزمة نوارة وعلي، يأمر القضاء المصري بحجز الفيلا وما يوجد فيها. وتجد نوارة نفسها متهمة بالسرقة، ويتم اقتيادها إلى الحبس. وهي التي جسدت في الفيلم “المواطن المصري الساذج” الذي يجري وراء قوت يومه حالما بغد مغاير، وكان الغد مغايرا فعلا... لكن في اتجاه الأسوأ.وجرى تصوير الفيلم في ديكور واقعي، حي مصري راقي على شكل محمية للوجهاء والأثرياء، مثلما يوجد في كل مدن الدول العربية. وفي أزقة “الخربة” التي يعيش فيها عموم الناس الذين لا يستطيعون أن يصلوا إلى المال العام لينهبوه. وبعد عرض “نوارة”، تلاه فيلم “المدينة” وما حمله من مشاهد مرعبة حول حياة الناس في “مخيم للاجئين”، ولا يمكن أن يقصد المخرج وصاحب الدور الرئيسي، سوى الفلسطينيين، على حواشي مدينة بلا هوية، تشبه “التجمعات السكنية الفوضوية” المنتشرة في أطراف كل المدن العربية.في “المدينة” تنكسر أحلام “يوسف” الذي عاد إلى مدينته من مهجره رفقة زوجته الدانمركية الحامل، عندما يقتل خطأ طفلا متسولا. وتتحوّل أحلام يوسف إلى كوابيس متتالية، السجن، ثم الاغتصاب، والخروج من الزنزانة، العيش هاربا لأنه مبحوث عنه، ثم الوقوع في مخالب شبكات الدعارة والمخدرات، وأخيرا في براثن عصابة “عالمية” للمتاجرة بالأعضاء البشرية، يقودها طبيب عربي مع عاهرة أوروبية، تحت إشراف حاخام يهودي. في هذا الفيلم الذي حضر عرضه سفير دولة فلسطين في الجزائر، عرض المخرج عمر شرقاوي “الجرائم” التي يكابدها أطفال اللجوء، وقسوة كبارهم، وانهيار “أثمان أجساد الناس”، النساء في سوق الدعارة، والأطفال في سوق “الأعضاء البشرية”. وصوّر المخرج مشاهد متقدمة في القسوة والبشاعة الإنسانية، ربما أبشع من مخلفات القنبلة، لأن التواطؤ في الجرائم الذي حدثت في أطوار الفيلم هادئة وناعمة.بعد مشاهدة الفيلمين، يخيل للمتابع لمهرجان وهران في هذه الطبعة أنه يريد أن يقول للناس: “أيهما خير لكم؟ الذي تعيشونه في ظل نظام سارق، سالب للحريات؟ أم في “مدينة” مشابهة للتي تغيرت فيها الأوضاع على نوارة المصرية أو يوسف الفلسطيني؟”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات