لا انتقال ديمقراطي ولا إجماع ولا جدار وطني

+ -

دخلت المبادرات التي أطلقتها أحزاب المعارضة أو الموالاة، في جو قاتل من الرتابة السياسية، بحيث لم تعد موجودة على الساحة إلا بالاسم، بينما لا أثر فعلي لها في الميدان. يأتي ذلك في وقت انهمك كثير من أصحاب هذه المبادرات في “التحضير العادي” للتشريعيات المقبلة، بما يتناقض مع جو “الأزمة” التي ظهرت فيه ما يهدد بإحالتها إلى الأرشيف. بعد أن انتعش السوق السياسي بالمبادرات في أعقاب الانتخابات الرئاسية الماضية، عاد للانتكاس من جديد بسبب محدودية تأثير الفاعلين فيه وانسداد الأفق السياسي أمامهم، وهو يجعل من كل عمل سياسي مهما كان منظما وهادفا لتحقيق مطالب مشروعة ونبيلة عرضة للفشل نتيجة هذه العوامل.وعلى هذا الأساس، لم يعد الحديث اليوم مركزا على مبادرة الانتقال الديمقراطي، باعتبارها أهم ما طرحته المعارضة إلى اليوم، كما كان عند تاريخ إطلاقها قبل نحو سنتين، فقد أدت هذه المدة الطويلة من الانتظار إلى ما يشبه “اليأس” في أن تأخذ هذه المبادرة طريقها إلى التنفيذ، رغم أن تنسيقية الانتقال الديمقراطي التي أطلقتها وهيئة التشاور المتابعة التي تبنتها، لا يزالون يجدون في بنودها وآلياتها “الراهنية” للتجسيد.لكن الإشكال في مبادرة “الانتقال الديمقراطي”، أنها تحتاج إلى يد ممدودة كي تكون فاعلة، وهو ما ترفض السلطة تقديمه لأنها ترى في هذه المبادرة مرورا إلى مرحلة انتقالية ليست البلاد في حاجة إليها، ولم يبق بالتالي لأصحابها، إلا طريق آخر يمكن أن يسلكوه لإجبار السلطة على التفاوض معهم، هو إيجاد أرضية شعبية لمبادرتهم، لكن هذا لم يتم أيضا لأسباب تتعلق بعدم القدرة على التواصل مع الجماهير المستقيلة في عمومها أصلا من خوض المعارك السياسية.نفس المصير آلت إليه مبادرة الإجماع الوطني التي أطلقتها جبهة القوى الاشتراكية، فبعد فترة من الحماس لقيته خاصة من حزب السلطة الأفالان، أعطى مؤشرات لإمكانية أن يكون لها شأن، أصيبت هذه المبادرة بحالة من “الموات” إثر عدم حماس أغلبية الأحزاب في صفي الموالاة والمعارضة لها. هذه الحقيقة أيقنها الأفافاس الذي لم يعد يتحرك لمبادرته كما كان يفعل خلال سلسلة مشاوراته الطويلة، وأصبح يكتفي فقط بالدعوة للإجماع في بيانات اجتماعه رغم اقتناعه أن الظروف السياسية الحالية لا يمكنها المساعدة في تحقيق مبادرته على المستوى العملي.على طرف الموالاة، لا تبدو المبادرات التي تم إطلاقها أحسن حالا، فجبهة التحرير الوطني التي حاولت استعراض قوتها السياسية عبر مبادرة “الجدار الوطني”، باءت بالفشل في استقطاب أحزاب مؤثرة حتى في معسكرها السياسي، كما أن فقر محتوى مبادرتها جعلها أقرب إلى “الفلكلور” أكثر منها إلى العمل السياسي الحقيقي. وحتى الأحزاب المجهرية التي اصطفت وراء عربة الأفالان، بدأت تنسحب تباعا لعدم اقتناعها بالمبادرة التي لا تخرج عن ترديدات عامة تتعلق بضرورة الحفاظ على الأمن الوطني ومواجهة التحديات الخارجية، وهي مسائل لا يختلف عليها جزائريان.أما التجمع الوطني الديمقراطي الذي حاول جاهدا استعادة التحالف الرئاسي في شكله القديم وتحيينه وفق معطيات الحاضر، فقد اصطدم هو الآخر، رغم عودة أحمد أويحيى إلى مقاليد أمانته العامة، بجدار عمار سعداني السميك، الذي يرفض أن يكون طرفا في أي رهان سياسي يكون الأرندي شريكا فيه، حتى ولو كان ذلك تحت يافطة مساندة الرئيس بوتفليقة، وبذلك فشلت هذه المبادرة بسبب امتزاجها بالطموحات الشخصية التي تسكن الأمينين العامين للأرندي والأفالان.وأمام تعثر جل المبادرات المطروحة على المشهد، يبدو المنتوج السياسي الوحيد الذي يمكن أن تقبل عليه أحزاب السلطة كما المعارضة في الأفق، هو الانتخابات التشريعية المنتظرة بعد أقل من عام. وقد يشكل هذا الاستحقاق ضربة قاصمة لمعظم المبادرات، خاصة تلك التي تطرحها المعارضة، لأنه سيجر أحزابها إلى منطق السلطة الذي يرفض تماما الاعتراف بوجود أزمة سياسية في البلاد، بدليل “السير الطبيعي لمؤسسات الدولة وفق الأسس الديمقراطية المبنية على الانتخابات”، وإقبال الجميع عليها سلطة ومعارضة!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات