غابت طوابير تعبئة الوقود وبقيت رداءة الخدمات السياحية

+ -

تتحوّل مدينة مرسى بن مهيدي الساحلية، في أقصى نقطة غربي الساحل الجزائري، إلى قبلة للسياح والمصطافين كل موسم اصطياف، إذ تستقبل المدينة الصغيرة الهادئة بمنطقة “مسيردة”، على بعد 120 كلم من مقر الولاية تلمسان، بشواطئها الخلابة قرابة 8 ملايين زائر. “الخبر” تجوّلت في “بورساي” وشارعها الطويل على جبهة البحر وفنادقها أو مراقدها بتعبير أدق، على قلّتها، وفي مخيّماتها العائلية، وكذا بالمطاعم ومحطات الوقود، في أول موسم اصطياف دون “حلابة”، وبمرافق وخدمات سياحية لازالت بعيدة عن المعايير مقارنة بدول الجوار. قد تكون الميزة الأساسية لموسم الاصطياف لسنة 2016 بمدينة مرسى بن مهيدي وبشاطئها الشهير “بورساي” هي اختفاء ظاهرة تهريب الوقود التي كان يمارسها آلاف المهربين المسمَّين “الحلابة”، والذين كانوا يجوبون الطرقات بما يسمى “المقاتلات” من مركبات كانت تنقل الوقود الجزائري نحو التراب المغربي، في مشاهد يومية ظلت مستمرة منذ 20 سنة، مخلّفة آثار سلبية في حياة الناس ويومياتهم، مثل ندرة الوقود بمحطات التوزيع في مرسى بن مهيدي ومغنية، وتقريبا على مستوى كل تراب الولاية.فالأمر كان يحوّل عطلة المصطافين الذين يقصدون مرسى بن مهيدي إلى جحيم، قبل دخول “مخطط لالة مغنية” الأمني لحماية الحدود، والذي باشرت تنفيذه قوات الدرك الوطني مطلع سنة 2016، حيث تراجع نشاط “الحلابة” تدريجيا قبل أن يختفوا من المشهد.اختفاء طوابير تعبئة الوقودبمدخل المدينة الساحلية، اقتربنا من محمد القادم من العاصمة بمحطة لتوزيع الوقود تابعة لنفطال، كان يعبّئ سيارته بالوقود وهو الذي تعوّد على قضاء عطلته بالمكان منذ 10 سنوات، فقال “والله لست مصدّقا كأنه حلم بالنسبة إلي.. في مواسم ماضية كنّا نعيش ظروفا صعبة لتعبئة الوقود، ونقف في طوابير طويلة تمتد ليوم كامل، وفي بعض الأحيان كنّا نتنقل إلى تلمسان والمدن المجاورة، وفي بعض الحالات كنّا نقطع عطلتنا بسبب أزمة الوقود.. أمّا اليوم الحمد لله وكما ترون الوقود متوفّر في المحطة في كل وقت”، وهي أوّل ملاحظة تلفت أنظار زوار المدينة الساحلية.كما ينتبه زوارها إلى خلو الطريق الجانبي المحاذي للتراب المغربي من المركبات، في مشهد غريب على موسم الاصطياف في “بورساي”، فهذا المسلك الذي أنجز منذ 5 سنوات لفك الخناق على الشارع الرئيسي للمدينة بدا مهجورا، حتى يخيّل إليك أنّك تسلك طريقا خاطئا.سألنا مصطافا كان يركن سيارته نهاية الطريق مقابل شاطئ سعيدية المغربي عن انطباعه؟ فأجاب “أظن أن القضاء على ظاهرة الحلابة أدى إلى اختفاء آلاف المركبات، كما أن آلاف الشباب الذين كانوا يتحركون وجيوبهم مملوءة بالملايين من عائدات تهريب الوقود، كل ذلك أثر بالسلب والإيجاب على موسم الاصطياف”. سألناه: كيف ذلك؟ فقال “إن اختفاء الحلابة نعمة على أصحاب السيارات في محطات توزيع الوقود، ونعمة في تقلّص الكثافة المرورية بالطرق المؤدية إلى غرب الولاية ومدنها الساحلية بصفة خاصّة، ما ادى إلى تراجع حوادث المرور التي كانت تتسبّب فيها مقاتلات الحلابة. لكن من جهة أخرى دخل أصحاب المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي في شبه بطالة بسبب تقلّص كتلة الأموال التي كان يجنيها آلاف الشباب من نشاط تهريب الوقود”.معايير سياحية غائبة وأسعار ملتهبةرغم توفّر المنطقة على الظروف المناخية والطبيعية لتكون قطبا سياحيا بامتياز، ليس على المستوى الوطني فحسب، فإنها تبقى بعيدة كل البعد عن المعايير، فشاطئ مرسى بن مهيدي المحاذي لشاطئ وساحل مدينة السعيدية المغربية يمتد على طول 11 كلم في اتجاه شاطئ “بيدر” شرقا، والذي تتقاسمه بلديتا مرسى بن مهيدي وسوق الثلاثاء في منطقة مسيردة، بشواطئ ذهبية الرمال تحيط بها مناظر جبلية وأراضٍ عذراء، خصّصتها الدولة منذ قرابة 30 سنة للتوسع السياحي، استُنزف بعضها في عقارات فوضوية بُنيت عليها عمارات للسكن الاجتماعي، وأخرى كمراكز تخييم لبعض الإدارات.وتبقى المشاريع السياحية التي تحقق الجذب وتدعم قدرة الاستيعاب غائبة مقارنة بما تعرفه المدينةُ المغربية على بعد أمتار قليلة من تطور رهيب في مشاريع الفندقة وهياكل الاصطياف.فمدينة مرسى بن مهيدي التي كانت تستهوي الوزراء والمسؤولين لقضاء عطلهم تبدو قاحلة ومتخلّفة سياحيا مقارنة بما حباها الله من إمكانيات، إذ يقصدها ملايين المصطافين سنويا، غير أنها لا تتوفّر على فندق سياحي واحد مصنّف، باستثناء بعض المراقد والمخيمات العائلية، ما جعل أسعار الإيجار تلتهب رغم قلّة الإقبال عليها هذا الموسم. إذ يصل سعر الإيجار بالنسبة لشهر أوت وهو شهر ذروة النشاط إلى 8 و9 آلاف دينار للغرفة في الليلة الواحدة. بينما في شهر جويلية 4 آلاف دينار.أسعار يعتبرها المصطافون مبالغا فيها، ولكن قلّة البدائل ونقص المرافق السياحية يجعلهم يقبلون عليها. “الخبر” سألت عبد القادر بعديد، عضو بالمجلس الشعبي الولائي في تلمسان ومن سكان مرسى بن مهيدي وأحد العارفين بملف السياحة فيها، حول أسباب تراجع الأسعار نسبيا لشهر جويلية، وعن مشاريع السياحة في المدينة، فقال “السياحة في مرسى بن مهيدي فقيرة فقر هياكلها، فكيف لا تتوفر مدينة يقصدها الملايين على فندق واحد مصنّف؟ لقد قلنا في كل المناسبات والمنابر أن تطوير الشريط الحدودي يبدأ بتطوير نشاط الفلاحة والسياحة، فعلا قد تراجع الإقبال على تأجير الغرف والمحلات بمرسى بن مهيدي، لأن بعض المصطافين، ومع دخول الطريق المزدوج الخدمة ما بين مغنية ومرسى بن مهيدي، فضلوا تأجير غرف وشقق في مدن مجاورة مثل مغنية والسواني وبوكانون، ليلتحقوا بالشاطئ عن طريق سياراتهم كل صباح”.فما تتوفر عليه الولاية هو عشرات المراقد و4 مخيّمات عائلية فقط بسعة لا تتجاوز 2000 سرير، وتعرف ضغطا رهيبا لطلب الإيجار، وفق معايير وخدمات سياحية بعيدة كل البعد عن المعايير المعمول بها في دول الجوار.أحد المواطنين كان في رحلة البحث عن شقة للإيجار قرب إقامة “زياني”، وهي من أقدم وأهمّ الإقامات غير المصنّفة والقريبة من جبهة البحر على الشارع الرئيسي للمدينة، فقال لنا “كيف تتنظرون قدوم السياح إلى الجزائر وسعر غرفة ليلة واحدة ودون الخدمات يعادل 8 آلاف دينار؟ انظروا في تونس 50 ألف دينار تقضي بها أسبوعا كاملا في فندق من 4 نجوم وخدمات راقية”.مناظر خلابة لكن..مواطن آخر من ولاية معسكر فضل النزول بأحد المخيّمات العائلية الأربعة المعتمدة قال لـ“الخبر” “أنا أقضي عطلتي الصيفية هنا منذ 20 سنة، نحن ندفع قرابة 4 آلاف دينار لليلة الواحدة مقابل خدمات بعيدة عن المستوى.. في الشاطئ المرش المخصّص للمياه العذبة معطّل، وبعض المرشات تعرف تسرّبا وضياعا للمياه، وحتى الأنشطة الترفيهية والسهرات الموسيقية تنظم بطريقة بدائية وفي مرافق لا تلبي رغبات العائلات في قضاء سهرات هادئة ومريحة.. انظر هناك في الجوار بمدينة السعيدية المغربية، منذ أيام نُظم مهرجان موسيقي جعل الشباب والعائلات الجزائرية يزحفون إلى حيث السياج الفاصل بين البلدين للاستمتاع بالموسيقى المنبعثة من هناك”.ويختار بعض المصطافين الهاربين من ضغط شاطئ المدينة الرئيسي التوجّهَ نحو شاطئ “موسكاردة” ذي المناظر الخلابة، ولكن الإعجاب بروعة المكان سرعان ما يتحوّل إلى أسف وسخط بسبب رداءة الخدمات وبدائيتها على قلّتها. بداية بموقف السيارات في أرضية ترابية تحوّل يوميات المصطاف إلى جحيم، ومنع التوقف للمركبات بجبهة البحر، حيث يجد زوار المدينة أنفسهم مضطرين لركن مركباتهم في حظائر ترابية لا تتوفّر على أدنى شروط الأمن والنظافة، كما تنعدم فضاءات الإطعام وبيع المثلجات والمياه المعدنية.هذا المكان يقول مسؤول في البلدية “إن السلطات العمومية تحتجزه منذ أكثر من عشريتين كمنطقة للتوسع السياحي، وهي أراضٍ شاسعة في واجهة البحر يمكنها استيعاب عشرات المشاريع، من فنادق ومركبات وقرى سياحية، ولكن للأسف لا الدولة أنجزت هذه المشاريع ولا هي فتحت للمستثمرين الخواص الباب، ولا هي سمحت لنا كبلدية بإنجاز بعض المرافق”.هي مشاكل وعوائق يجدها المصطاف تتكرّر في شاطئ “بيدر” الواسع الكبير الخلاب المناظر على بعد كيلومترات قليلة من مرسى بن مهيدي، والذي يمثّل بامتياز فرصة مهدورة لتطوير قطاع السياحة في الجهة الغربية للبلاد. هذا الشاطئ الذي تصل إليه عبر مسالك جبلية وغابية خلابة كانت تقصده العائلات المحافظة للهرب من صخب مرسى بن مهيدي، لا يُعوّل على تطويره من طرف بلدية سوق الثلاثاء بسبب ضعف إمكانياتها وبسبب بيروقراطية الإدارة، ويبقى الأمل لاستدراك التأخر في فتح الطريق أمام المستثمرين الخواص لتعمير الأرض العذراء والساحل القاحل لولاية تلمسان والممتد على طول 70 كلم.وتبقى المدينة في انتظار مشاريع ترفع من مستوى الخدمات وترتقي بها إلى المعايير المعمول بها في دول الجوار.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات