+ -

 سار مطلب تنفيذ عقوبة الإعدام، في جنازة البريئة نهال، بهتافات صغار وكبار صاحوا بإعدام قتلة البراءة، مثلما سار المطلب ذاته في جنائز: شيماء وسندس وهارون وإبراهيم وياسر وغيرهم.. لكن المطلب كان في كل مرة، يتوقف سيره بإهالة التراب على هؤلاء الذين لا ذنب لهم.ما الذي يعيق الاستجابة لهذا المطلب من طرف السلطة؟ ولِم لمْ تنفذ العقوبة في حق القتلة؟ ولم لا تلغى نهائيا من منظومة العقاب في الجزائر؟ الجدل حول عقوبة الإعدام بدأ بصفة فعلية وجدية عام 2007، رغم أنه في تلك الفترة لم يكن المجتمع يعيش ظاهرة اختطاف الأطفال، كما أن الجريمة لم تكن مرتفعة بالمستوى الذي تشهده حاليا. وتحاجج حينها نشطاء حقوق الإنسان وبعض الأحزاب الرافضة للإبقاء على عقوبة الإعدام، مع رجال الدين والأحزاب الإسلامية دفاعا عن إقامة الحدود وتبني القصاص الوارد في الشريعة الإسلامية. لكن المنحى في ذلك الوقت وإلى وقت قريب جدا، لم يكن في صالح المواقف التي تتبنى تنفيذ العقوبة. ولكن السلطة قطعت أشواطا معتبرة على صعيد الموقف، في طريق إلغاء العقوبة نهائيا في التشريع العقابي، واستبدالها بالسجن المؤبد. وهو ما عبر عنه في مرات عديد، مستشار الرئيس بوتفليقة المكلف بملف حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب كمال رزاق بارة.والواضح أن منحى السلطة، المعبر عنه من طرف بارة، يعاكس تماما مطالب شعبية رافقت جنائز الأطفال الذين راحوا ضحايا غدر القتلة والمجتمع أيضا. مثلما ثار من أجله السائرون في جنازة نهال أمس. وانسجم مسعى السلطة مع الحقوقيين، ومع مواقف دولية وحكومات ألغت العقوبة من تشريعاتها وآخرها دولة جيبوتي، رغم أن العقوبة تنفذ بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن لحد الآن، لم تصدر رئاسة الجمهورية المخولة بحسم الجدل في إلغاء العقوبة، مثلما لم تفصل في الإبقاء عليها. وتسير الأحكام المنطوق بها في حق المجرمين، بصفة “وسطية”، فالقضاة ينطقون يوميا بعقوبة الإعدام لكنها لا تنفذ. وكان آخر تنفيذ للعقوبة في حق أربعة من مفجري مطار هواري بومدين عام 1993.وقد سبق للرئيس بوتفليقة أن صرح أمام البرلمان الأوروبي ببروكسل عام 2003، أنه مع إلغاء عقوبة الإعدام ومجرد تعليق تنفيذ هذه العقوبة بمثابة تقدم. وهو الموقف الذي تبني عليه اللجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان وحمايتها موقفها في الدفاع عن إلغاء العقوبة. ويطرح الرهان لدى أصحاب هذا الموقف: كيف يمكن جعل المجتمع لا يحتاج إلى عقوبة الإعدام؟ وقد بدأت الجزائر في طريق إلغاء العقوبة، من خلال تقليص الجرائم المتبوعة بالإعدام من 30 جريمة إلى أقل من 10 جرائم، أغلبها يتعلق بالإخلال بالأمن العام والخيانة العظمى وما شابه، بالإضافة إلى مصادقتها على لائحتين أمميتين، سنة 2007، تلتزم فيهما بوقف تنفيذ عقوبة الإعدام والتحضير لإلغائها.لكن الجدل الذي أثير بعد ذلك، ودخول رجال الدين الخط للدفاع عن إبقائها، بل وتنفيذها، استحدث شكلا آخر من النقاش، ببروز ظاهرة اختطاف الأطفال التي حجبت نوعا ما أصوات الرافضين للعقوبة، خشية إثارة ردود فعل غاضبة من عائلات الضحايا أو من قطاع واسع من المجتمع يطالب بتنفيذ العقوبة على القتلة.فبالنسبة للسلطة، بات واضحا أن هناك ترددا في اتخاذ موقف فاصل، إذ لا يوجد حل وسط بين الإلغاء أم الإبقاء.. لذلك، يستمر العمل بمنطق النطق بالحكم دون تنفيذ. وفي تصريح سابق، قال رزاق بارة أن “العقوبة قد ألغيت عام 93، فقط الإلغاء لم يكن مكتوبا”. بينما هناك من يقول إن السلطة سارت باتجاه الإلغاء التدريجي للنصوص القانونية الخاصة بعقوبة الإعدام. وضمن هذا الاتجاه قرار وقف تنفيذ العقوبة على المريض والمرأة الحامل والقصّر. لكن رسميا، لم يعرف الملف أي تطور. بينما يعارض رئيس نقابة القضاة، جمال عيدوني، إلغاء عقوبة الإعدام، وصرح لـ”الخبر”، في وقت سابق “أنا مع إبقاء العقوبة، ولا يمكنني أن أعترض على ما أنزل الشرع”.ومازال الجدل بخصوص إلغاء العقوبة مشدودا إلى الخلفية الدينية، رغم محاولة البعض تجاهل ربط “الإلغاء” بالشريعة الإسلامية التي تقر” القصاص”. وخلافا لما يراه رجال الدين، دعاة الإلغاء وأولهم نشطاء حقوق الإنسان، يستبعدون مقاربة عقائدية أو دينية، ويعتبرون أن شروط القصاص غير متوفرة في عدالة البلدان الإسلامية، من حيث يمكن أن تفضي تحقيقات بخصوص جريمة معينة، إلى حقائق جديدة تبرّئ من قد نفذ بحقه الإعدام، وحينها لا يمكن جبر الضرر، “لأنه يستحيل أن نستعيد حياة إنسان ميت”. ويؤيد هذا الطرح الحقوقي بوجمعة غشير، الذي يقول إن العدالة بالجزائر غير مؤهلة لتنفيذ عقوبة الإعدام، ولا تحوز على الوسائل الكفيلة بإثبات التهمة ثبوتا كليا على الجاني. ما قد يعرّض المتهم إلى القتل دون أدلة دامغة.في هذا الصدد، أوضحت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان أمس، أنها تعارض الأصوات الداعية لتنفيذ عقوبة الإعدام، ردا على المطالب المرفوعة ضد قتلة الأطفال. وقال عضوها هواري قدور “دون لبس ولا غموض، منظمتنا غير مستعدة لمسايرة هذه المجموعة المتعطشة للدماء وقطع الرؤوس من أجل ترويج ثـقافة الموت وقطع الرؤوس، لأن الإعدام منذ قرون لم يحل المشكلة بل يعقدها أكثر”. وتساءل “هل إعدام الذي نفذ في حق العقيد شعباني في بداية الاستقلال كان يسود فيه قضاء عادل ونزيه”. كما تساءل “هل الحكم بالإعدام التي نطق به القضاء ضد الراحل حسين آيت أحمد في بداية الاستقلال كان صوابا، ولولا هروبه من السجن لكان من المعدومين مثل العقيد شعباني والقائمة طويلة”. وينطبق هذا الموقف على المعارضين السياسيين، الذين يعارضون إبقاء عقوبة الإعدام، لاعتقادهم أن التشريع بتنفيذ العقوبة يحمل خطر تطبيقها على المعارضين السياسيين، أو في إطار تصفية حسابات سياسية، مثلما أشيع في قضية العقيد شعباني.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: