"المهرجانات والنشاطات الثقافية مستقلة وتعاني مشكل التمويل"

+ -

بلاد الرافدين والحضارات تنزف، كيف أثر ذلك في نفسية المثقف العراقي؟ العراق لا يخوض حربا منذ 13 عاما، بل يتعرض إلى إرهاب منظم من قبل الفكر السلفي القاعدة وداعش من أجل تمزيق وتفتيت العراق ضمن مشروع طائفي تدعمه بعض الأقطار المجاورة للعراق والقريبة منه. المثقف العراقي منذ البداية رفض هذا الواقع وتصدى لما هو موجود، من خلال قراءة نقدية استقرائية لما يحصل، لذلك فإنه تصدى للهجمة الإرهابية لأنها تقف على الضد من تطلعاته وآماله ببناء مجتمع ديمقراطي حر وعيش رغيد، وهو يواصل نضاله اليومي كمواطن عادي، موظف، مهندس، مقاتل، طبيب، معلم، عامل، وكمبدع يقود هذه الأمة ويعبر عن آمالها، وسط تشويش ومحاولات تقوم بها القوى الظلامية للانحراف عن الأهداف الكبرى التي نذر نفسه من أجلها.هل لدى إطارات الثقافة في العراق القدرةُ على صنع الحدث عربيا؟ العراق يملك كوادر ثقافية ومثقفين وفنانين وقاعدة عريضة من المستقبلين والمتذوِّقين للفن، لكن المشكلة أن العراقي لا يعرف كيف يسوِّق فنه ولا ثقافته ولا أدبه، بفعل عوامل وتراكمات قديمة، ما يعوق ترويج الحدث وصناعته. الحدث الثقافي والفني موجود في المعارض الفنية للفنون التشكيلية والعروض المسرحية والإصدارات المتعددة في الشعر والرواية والنقد والسينما ومهرجاناتها والندوات الثقافية والمؤتمرات المستمرة بشكل يومي وأسبوعي وشهري، لكن هذا الحدث يحتاج إلى ترويج، عبر فضائيات ووكالات أخبار تنشر وترصد هذه الأحداث، وهذا الذي نفتقده الآن.. عندنا كل يوم جمعة يقام أكبر معرض مفتوح للكتاب في شارع المتنبي، وبجانبه عشرات الندوات والعروض الموسيقية والمسرحية والقراءات الشعرية.. مثل هذا الحدث لو وُجد في بلد آخر لوجدنا عشرات التقارير التي تعد عنه أسبوعيا، لكن هذه الممارسة بقيت محليا لأنها لم تجد من يأخذ بيدها وينقلها للعالم، والحكومات العراقية التي تعاقبت بعد سقوط النظام السابق في 2003 لم تساهم إلا بقدر ضئيل في تطوير الحدث الثقافي، لأن وزارة الثقافة صارت وزارة تراثية ومشاريعها يشوبها الفساد والمحاصصة مع الأسف، وأكبر مثال على ذلك مشروع بغداد عاصمة الثقافة عام 2013.كيف تتعاملون مع الفنانين الذي يخافون زيارة العراق؟ ومن هم أبرز الرافضين من العرب والعالم العربي لزيارة بغداد والمشاركة في مهرجاناتها الثقافية والسينمائية؟ المثقف والفنان الأصيل لا يخاف.. وممن يخاف إذا كان يحمل قضية؟ المشكلة الآن أن أغلب المهرجانات الثقافية والفنية تقيمها جهات غير حكومية، منظمات، جمعيات أفراد، وهذه تكون إمكانياتها ضعيفة ونشاطها جدي ومحترف، وبعض المثقفين والفنانين العرب تعوّدوا أن يكون بجزمة النظم الحاكمة حتى يتمسحوا بها.. النظام السابق كان يصرف الهبات والهدايا وكوبونات النفط على حساب المثقف العراقي والمواطن العراقي الذي كان يعاني حصارا جائرا وتجويعا منظما.. تصور فاكهة الموز كان الأطفال يشاهدونها فقط في التلفاز أو مرسومة بالطباشير على السبورة! وبفعل الحصار الدولي وحصار النظام السابق كان كثير من الأطفال يموتون لحاجتهم إلى حليب الأطفال غير المتوفر، وفي نفس الوقت يصرف النظام الملايين على مهرجانات ومثقفين وفنانين يؤيدون هذا النظام.كيف تنظرون إلى الموجة الكبيرة من السينما العراقية التي ينتجها المهاجرون؟ سينما المهجر هي إضافة للسينما العربية، وهي نافذة أخرى في البيت العربي، وكلما تعددت النوافذ اتسعت الرؤى. لكن يؤخذ على بعض أفلام سينما المهجر رضوخُها لجهات الإنتاج، ونظرتها إلى الواقع العربي بنظرة استشراقية أو بنظرة غربية.. على السينمائي العربي أن يكون صادقا مع نفسه وهو يصنع أفلامه، حتى لا يبيع نفسه وفكره وفنه للآخر.. ماذا يستفيد السينمائي المهاجر من صناعة فيلم زائف وغير صادق يكذب به على نفسه وقومه من أجل متعة زائلة؟ الفيلم يذهب وينتهي، لكن خسارة الروح والنفس لا تُعوض. والملاحظة الأخرى على سينما المهجر العراقية اشتغالُها على موضوعات مكرورة ومتشابهة.. الماضي ومحاكمة النظام السابق.. على سينمائيي الداخل والخارج أن ينظروا للحاضر ويلتقطوا منه ما يصلح لأفلامهم.. الجمهور بدأ يصيبه الملل من محاكمة الماضي لأنه وصل إلى درجة الإشباع.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات