أخطبوط المال الفاسد يكبّل القرار السياسي

+ -

يجمع عدد من الأحزاب على خطورة تداعيات استعمال المال السياسي في العملية الانتخابية، محذرين من وقوع الهيئات المنتخبة على المستويين الوطني والمحلي تحت سطوة أصحاب “النفوذ المالي”، بما يرهن مستقبل مؤسسات الدولة، ويؤثر على مسار اتخاذ القرار.فبالنسبة إلى عثمان معزوز، المتحدث باسم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، في اتصال لـ”الخبر”، فإن حزبه “يتأسف من إفراغ المنافسة الانتخابية من معانيها الحقيقية في بلادنا”. مشيرا في هذا الإطار إلى أنه بالإضافة إلى “التزوير الانتخابي الذي أصبح ممارسة جارية وحاضرة في كل الاستحقاقات”، فإن “استعمال المال القذر أصبح فعلا شنيعا ساريا لدى التشكيلات الحزبية الموالية للسلطة”.وتابع معزوز أن الأرسيدي يعتبر “التوظيف غير المقبول للمال القذر” في الممارسات السياسية، بمثابة “انتهاك صارخ للفعل الانتخابي ووسيلة لاغتصاب الخيارات الشعبية”. موضحا في ذات السياق بأن ذلك “لم يكن ممكن الحدوث لولا حالة الإفلاس”، التي تعيشها كل مؤسسات البلاد، فضلا على الغياب التام للعدل والإنصاف الذي من المفروض أن يكون هو أولوية الأولويات”.بعد الأقوات جاء دور أصواتبدوره، وصف ناصر حمدادوش، عضو المكتب التنفيذي الوطني لحركة مجتمع السلم، استغلال المال القذر في الانتخابات بـ”الخطر” الذي يهدد العملية الديمقراطية في البلاد. وقال في تصريح لـ”الخبر”، “هو أخطر ما يهدد العملية الانتخابية ويطعن في مصداقية نتائجها، لأنه يسطو على الإرادة الشعبية الحقيقية، وخاصة عندما يتحالف مع التزوير”.وأضاف حمدادوش، وهو نائب بالمجلس الشعبي الوطني عن ولاية جيجل، أن “السلطة الحالية تتحمل مسؤولية فسح الطريق أمام المال السياسي الفاسد من خلال غض الطرف عن بيع القوائم والأصوات والضمائر”. ملاحظا بأنه “رغم الترسانة القانونية التي تجرّم وتعاقب هذه الأفعال، إلا أن المشكلة ليست في النصوص ولكنها في اللصوص، الذين سرقوا الأقوات ويسرقون الآن الأصوات”.. معتقدا بأن ما يجري في الساحة السياسية في مثل هذه المواعيد الانتخابية “دليل واضح على غياب دولة القانون وانعدام روح المسؤولية في مؤسسات الدولة”، وفي مقدمة ذلك “غياب القضاء المستقل والإدارة المحايدة، إضافة إلى عدم توفر الإرادة السياسية القوية والصادقة لمكافحة ذلك”.ودعا حزب العمال، على لسان القيادي والنائب جلول جودي، إلى “تضافر جهود الطبقة السياسية من أجل وضع حد لهذه الآفة”. مطالبا بتفعيل “المراقبة القبلية” على قوائم المترشحين وذلك منعا للمشتبهين بشبهة توظيف المال الفاسد.كما أكد جودي على صعوبة مهمة تطهير المؤسسات المنتخبة سواء الوطنية والمحلية من هذه الظاهرة، بسبب الثغرات الواضحة في قانون الانتخابات. وعليه، فإن “السلطات مطالبة اليوم بوضع حد لمن تسوّل له نفسه استغلال المال لشراء الذمم والأصوات وتلطيخ العمل السياسي الذي يتطلب المجابهة بين الأفكار والبرامج”.وبرأي المسؤول في حزب العمال، فإن “المال هو الذي أصبح يجدد نتائج الانتخابات ويؤثر في عملية اتخاذ القرار بل ويرسم مستقبل مؤسسات الدولة”.للشكارة.. أهلها وتقاليدهاأما بالنسبة لحزب جيل جديد، فإن المتتبع لتاريخية العمل السياسي في الجزائر منذ إقرار التعددية الحزبية يلاحظ أن “إقحام الشكارة والمال السياسي القذر أصبح ممارسة لها تقاليد ولها أهلها وضوابطها”. وفي هذا الصدد، قال يونس صابر شريف، المكلف بالاتصال بحزب جيل جديد، في اتصال مع “الخبر”: “من المؤسف أن استعمال المال الوسخ أصبح المعيار الوحيد للنجاح أو للفشل في المواعيد السياسية، فضلا على أنه صار مدعوما بآلة انتخابية تجسدها السلطة عبر التزوير وعبر ترسانة قانونية خيطت على مقاس الفاسدين”.وتابع المتحدث الإعلامي لحزب سفيان جيلالي، أنه “في ظل النظام السياسي الحالي، من المستبعد أن تزول هذه الممارسات غير الديمقراطية، خاصة عندما يتعلق الأمر باستحقاقات ذات رهان سياسي كبير، مثل التشريعيات والرئاسيات.. لأن همّ السلطة الأوحد لا يخرج عن نطاق تكريس الأمر الواقع والاحتفاظ بالمكتسبات غير الشرعية التي أهدتها لنفسها عبر التمييع الكلي للعملية السياسية”.ضرورة العمل المشتركوفي نفس السياق، أوضح يوسف خبابة، البرلماني والقيادي بحركة النهضة، بأن توظيف المال بكل أنواعه “القذر والهارب من الضرائب والمسروق يلعب دورا أساسيا في الانتخابات القادمة في ظل عزوف الناخبين والأحزاب عن ممارسة حق الانتخاب”. مرجعا الأسباب إلى “غياب المنافسة التي تكون صفرية في كثير من الأحيان”.واستشهد خبابة، في اتصال لـ”الخبر”، بما عرفته انتخابات مجلس الأمة في ديسمبر 2015، التي قال إنها جرت وسط “هيمنة المال الوسخ عليها بصفة كلية، وذلك باعتراف الأحزاب التي تتقاسم مقاعد هذه الغرفة التي تحولت إلى مركز للراحة والاستجمام واستكمال التقاعد”.ولا يرى ذات المتحدث اختلافا فيما يتعلق بانتخابات المجلس الشعبي الوطني، الذي رغما عن بعض “محاولات المنافسة والمقاومة” التي يبديها الناخبون وبعض الأحزاب، إلا أن “هيمنة الإدارة على العملية وتحالفها مع أصحاب المال في كثير من الحالات عملية عدمية. محسومة النتائج سلفا.. وهو ما أدى إلى تنامي العزوف لدى المواطنين الذين باتوا ينعتون الأحزاب المشاركة فيالانتخابات بالمتواطئة مع السلطة واللاهثة على مناصب ليس إلا... كما انتقل العزوف إلى النخب والأحزاب والتي أصبح كثير من مناضليها يرون المشاركة مجرد تمثيل وضحك على الشعب”..وعن دور الطبقة السياسية التي ترفض هذه السلوكيات في العلن، ويغيب التنسيق بين مكوناتها لمكافحة هذه الآفة، اعترف خبابة بصعوبة المهمة موضحا بالقول إنه “أمام هذا الواقع الصعب، يبقى هامش المناورة ضيقا جدا لإقناع الشعب والمناضلين في الأحزاب بالمشاركة لمجابهة هذه الظاهرة الخطيرة”. مشيرا إلى أن “البحث عن كيفيات مبتكرة للمشاركة في الانتخابات بات أكثر من ضروري. وأن التكتلات تبقى هي الخيار الأسلم للحد من هيمنة أحزاب السلطة على المجالس المنتخبة محليا ووطنيا. ومن غير هذا ستكون الأحزاب مجرد ديكور توظفه السلطة بالطريقة التي تشاء”.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: