38serv

+ -

 تثير قصص وشكاوى الرياضيين الجزائريين حول مآسيهم أثناء تحضيرات الألعاب الأولمبية، الدهشة فعلا، عند معرفة أن المبلغ الذي خصص لقطاع الرياضة وحده خلال الأربع سنوات الماضية، تجاوز المليار دولار، بما يبين أن المشكل لم يكن في المال الذي لم ينقص أبدا، وإنما في الفساد وسوء التسيير في القطاع، أي أنه سياسي بالدرجة الأولى.تكشف ميزانيات وزارة الشباب والرياضة للأربع سنوات الأخيرة، أي في المدة التي كان مفترضا فيها تحضير رياضيي الجزائر للألعاب الأولمبية، أن قطاع الرياضة وحده استفاد من مبالغ بمعدل 250 مليون دولار عن كل سنة، أي ما يصل إلى المليار دولار ما يعادل 10 آلاف مليار سنتيم خلال هذه الفترة، وهو مبلغ يكاد يغطي ميزانية بعض الدول في إفريقيا.واللافت أن ميزانية قطاع الشباب والرياضة، لم تتضرر في السنتين الماضيتين، على الرغم من تراجع مداخيل البلاد بنحو 70 بالمائة، كما أكد الرئيس بوتفليقة، ذلك أن منطق أصحاب القرار في الجزائر يراهن كثيرا على هذا القطاع، لأسباب قد تتعلق بأهميته البالغة، كما هو الشأن في كل دول العالم، ولكن أيضا لمنافعه الجماهيرية الخاصة كوسيلة تمكن من امتصاص قدر لا بأس به من الغضب الاجتماعي، وصناعة انتصارات “وهمية” للنظام في الرياضة، يعجز عن تحقيقها في باقي الميادين.وبغض النظر عما تريده السلطة من وراء إغداقها على الرياضة، يفترض أن المال العام الذي يحول إلى هذا القطاع ككل القطاعات يكون خاضعا لمنطق الشفافية في التسيير والمحاسبة، لا أن يتم التعامل معه بمنطق “الشو” الرياضي الذي يرصد أجور اللاعبين والمدربين ومسؤولي الأندية في العالم لإبهار الجماهير وتسليتهم. هذا الواقع يغيب في الجزائر، فقطاع الرياضة، الكل يتحدث فيه وعنه، ولا أحد يسائل فيه المسؤولين، من زاوية المال العام.وينسحب هذا المنطق في الطبقة السياسية على أحزاب السلطة كما المعارضة، فلم يُسمع أن نائبا في البرلمان وجه سؤالا شفويا لوزير الشباب والرياضة، يسائله عن أسباب التأخر الذي تجاوز حدود المعقول لملعبي براقي والدويرة وتيزي وزو رغم الميزانيات الضخمة المرصودة لها، ولا أحد كلف نفسه عناء السؤال أيضا عن الحصائل الكارثية التي صارت تمنى بها المنتخبات الوطنية في كل المنافسات الدولية، زيادة عن الرشوة والفساد وانهيار الأخلاق التي تسجلها البطولات الوطنية في معظم الرياضات. ولا أحد أيضا انتبه إلى أنين رياضيي النخبة الجزائريين الذين يشتكون من التهميش واللامبالاة، ولم يجدوا من يسمعهم، حتى وصل “الموس للعظم” وافتضح كل شيء في الألعاب الأولمبية، بعد فوات الأوان طبعا.وفي مقابل ذلك، تتباهى السلطة بإنجازات المنتخب الوطني لكرة القدم، بعد تأهلاته المتتالية لنهائيات كأس العالم، في حين يتناسى الجميع أن ذلك يتم حصريا بمحترفي البطولات الأوروبية الذين تكوّن معظمهم في المراكز الفرنسية، بينما تعجز البطولة الوطنية عن إمداد “الخضر” باللاعبين المحليين أو الذين انطلقوا من البطولات المحلية إلى أوروبا. وكالعادة، لم يكلف أي نائب في البرلمان نفسه، عناء السؤال عن مراكز التدريب الوطنية التي تنفق عليها الملايير، وقس على ذلك في كل الرياضات الجماعية مثل اليد والسلة والطائرة التي خفت بريقها قاريا بعد أن كانت الجزائر أول المرشحين في كل مناسبة تقام فيها المنافسات.الغريب في الأمر، أن قطاع الرياضة في الجزائر قد يكون الوحيد الذي تحرص عليه أعلى السلطات في الدولة للحصول على إنجازات تمنحها الشعبية، لتعويض خيبات القطاعات الأخرى، لكنه مع ذلك لم يشذ عن منطق “الإهمال” و”عدم المحاسبة” الذي تقابل به باقي القطاعات التي تتحدث فيها التقارير عن الفساد. ولا يوجد ما يعلق بالذاكرة، سوى ذلك التصريح الذي أدلى به الرئيس بوتفليقة، الذي قال مرة إن الجزائر قادرة على احتضان كأسي عالم في نفس الوقت، بما يكشف ربما غيبوبة في أعلى هرم السلطة عن حقيقة ما يجري في هذا القطاع على الأرض.ما قاله البطل الأولمبي، توفيق مخلوفي، والموشح بميدالية التحدي العربي بورعدة، كان صرخة قوية انطلقت من ريو البرازيلية ودوّت في سماء الجزائر، باستعارة تعبير المعلقين الرياضيين، علّها توقظ السياسيين من سباتهم وتجعلهم ينتبهون إلى فساد قد عشش في الرياضة الجزائرية، ولم يعد ممكنا معه إلا فتح كل الملفات دون استثناء.     

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: