+ -

رغم أن وخزات أبو جرة سلطاني، باتجاه قيادة حركة مجتمع السلم التي ترأسها لمدة 10 سنوات، ليست وليدة المبادرة التي قال إنه سيعلن عن نسختها الجديدة، لاحقا، لكنها تعود إلى الأشهر الأولى لما بعد خلافته من طرف عبد الرزاق مقري، وتطرح تساؤلات حول: ماذا يريد سلطاني أن يصحح في الحركة، هل نهجها المعارض للسلطة أم مجرد اختلالات في التسيير؟ لحد الآن لم تظهر سوى تصريحات ومواقف “سطحية” حول حقيقة الوضع داخل بيت الراحل نحناح، رغم أن قراءات تقول إن الصراع بين الرجلين أو فصيلين داخل الحركة أعمق بكثير مما يقال ويشاع، ويصل إلى مصاف النهج الأعمق لحمس بين مواصلتها التخندق في صف المعارضة وبين العودة إلى حضن السلطة، وبين الخيارين، مخاوف كثيرة تنتاب الحمسيين من خسارة الحركة مواقعها أكثر في الانتخابات التشريعية المقبلة، بعد نكسة تشريعيات 2012، ولعل هذا ما يقلق سلطاني الذي يربط مصير الحركة برهانات سياسية تتعلق بالمرحلة المقبلة،بما يسميه ضرورة أن تؤدي حمس دورها الوطني.بين مساعي سلطاني لإعادتها إلى السكة وإصرار مقري على المعارضة“حمس” تبحث عن ظلها هل هناك صراع حقيقي داخل بيت الراحل محفوظ نحناح؟ أم أن التجاذب الأخير بين رئيس حركة مجتمع السلم عبد الرزاق مقري، وسابقه، أبو جرة سلطاني، مجرد وخز إبر، يسعى كل طرف لأن يكون هو من يترك آثار الوخز في علاقة الحركة بمرحلة سياسية مقبلة؟ دوما كان الخلاف بين الرجلين مجرد سحابة صيف عابرة، لكنها سرعان ما تعود السحابة محمّلة بأثقال غيوم جديدة، صارت مصدر إزعاج داخل الحركة التي غيرت نهجها منذ ما قبل الانتخابات التشريعية لماي 2012، وعبد الرزاق مقري لم يكن الرقم الأول في فصيل الراحل نحناح، لما قررت مؤسسات الحركة إعلان الطلاق مع التحالف الرئاسي ثم الحكومة، إنما الرقم الأول كان أبو جرة سلطاني، الذي نشط ندوة صحفية في اليوم الذي كانت تجري خلاله الانتخابات ليدين ما أسماه التزوير المفضوح، والتزوير الذي تحدث عنه سلطاني شكل واحدة من متكآت نهج الحركة الجديد، ممثلا في عبد الرزاق مقري، وواحدا من مسببات تخندق الحركة في فصيل المعارضة، ممثلة في تنسيقية الانتقال الديمقراطي وهيئة التشاور والمتابعة للمعارضة.فاتورة الوسطية وثمن المعارضة عبد الرزاق مقري سار على النهج ذاته الذي رسمه سلطاني في الأشهر الأخيرة لحكمه الحركة، فما هي مبررات التصادم بخصوص نهج الحركة، بعد ثلاث سنوات من رحيل أبو جرة عن قيادتها؟ وهل رأى سلطاني أن مؤسسات الحركة بقيادة خليفته، تجاوزت حدود المعارضة التي رسمت على مشجب التزوير، وبالتالي يخشى على مصيرها في الانتخابات التشريعية لـ2017، باعتبار أن هذه التشريعيات ستعيد توزيع الخارطة السياسية بشكل جديد يتناغم أكثر مع المناخ الاقتصادي الذي رسمت معالمه، هو الآخر، على جفاف الخزينة العمومية نتاج تدهور أسعار النفط، وهي خارطة، يعتقد أبو جرة أن حظوظ حركته في تبوّؤ مكانة لائقة بها، رهينة تعديل خطها، بما يحاكي الخط القديم الذي رسمه الراحل نحناح، والمبني على مبدأ “الوسطية”، وهو مبدأ واجه انتقادات سياسية واسعة، وقدم لدى خصوم الحركة أنه رديف لـ”الازدواجية”، تلك التي أراد مقري التخلص منها، لأن هذا الخط الذي رسمه الراحل نحناح باسم الوسطية، ليس بالضرورة صالحا لكل زمان، وكان للمرحوم عبد الحميد مهري، رأي، صالح لإسقاطه على النموذج الحمسي، حينما قال إنه “يجب ألا نبقى دوما نحدد خطنا السياسي حسب الأشخاص، لأن الخط السياسي إذا كان صحيحا فهو يتسع لكل الناس”. لكن، حتى وإن كان الحمسيون لا يبتغون الحياد عن خط الراحل نحناح، الرافض لسياسة الكرسي الشاغر، فمن الذي حاد عنه: سلطاني أم مقري؟ علما أن لا أحد من الاثنين، يتخلف في خطابه عن الإصرار على البقاء في قاطرة نهج الشيخ، وهل يعني إصرار مقري على البقاء في المعارضة، أنه أكثر من غيره، يعي أنه وبعد 25 سنة من تأسيس الحركة، لا يمكن لها أن تبقي على نفس المسافة مع السلطة، فقد شغلت حمس موقع مندوب التوازنات في أعلى هرم السلطة، ممثلة للتيار الإسلامي، في صورة فصيل إسلامي اتخذ المشاركة كمبدأ سياسي، يتقاطع مع مبدأ “الاعتدال” الديني عندما اختار الحزب المحل الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مبدأ المعارضة الراديكالية.أشواك الكرسي الشاغرويستلهم سلطاني مساره رغم تضاده مع نهج الحركة المرسوم منذ ماي 2013، من نهج “الراحل نحناح”، المؤسس على رفض سياسة الكرسي الشاغر، منذ عقدت “حماس” مؤتمرها التأسيسي، ماي 1991، بحرصه على مبدأ الحوار، وهو مصطلح، مرادف لـ”المشاركة” في ظرف سياسي حساس داخل مناخ الصراع بين السلطة والمعارضة، حاليا. بل أن سلطاني يقولها صراحة إن “نهج نحناح مبني على المشاركة والتحاور”، ومقري أيضا يتبع هذا النهج، لكن مع “فصيل دون آخر (المعارضة وليس السلطة)”. وهذا مكمن الخلاف حاليا. اللافت في التوضيح الذي خطه الرئيس السابق للحركة، منذ أيام، أنه موجه إلى “الرأي العام” إضافة إلى المناضلين، وإصرار سلطاني على توجيه توضيحه بخصوص مبادرته داخل الحركة التي قادها 10 سنوات، إلى الرأي العام، يحتمل قراءات عدة، إذ لا يعتبر سلطاني نفسه مجرد مناضل في حزب سياسي، إنما شخصية حزبية وطنية، منحت لنفسها حق المبادرة، حتى خارج مؤسسات حركته، ما دفع بخليفته، عبد الرزاق مقري، إلى فرملته، ودفعه إلى الفهم أنه مجرد مناضل مثل سائر مناضلي الحركة، لا يجوز لهم المبادرة خارج أطرها التنظيمية.هل تخلت حمس عن “دورها الوطني”؟ولا يمكن فصل المبادرة “القديمة” التي أخرجها مجددا أبو جرة سلطاني، وأزعجت قيادة الحركة، عن السياق المرحلة السياسية التي تمر بها البلاد، ودخول الأحزاب السياسية أجواء التشريعيات، والأهم من التشريعيات، الخارطة التي ستنبثق عنها، ويريد سلطاني، من الآن، “استدراك الوضع داخل أطر الحركة”، مثلما ذكر في توضيحه، الذي فسر الدافع للاستدراك بـ”تأمين مسار الحركة ودورها الوطني”، ما يعني أن سلطاني ينتابه شك في أن المسار المرسوم منذ تشريعيات 2012 أو ما بعدها، عندما اصطف مقري بكل جوارح حمس مع تنسيقية الانتقال الديمقراطي، وتصعيد الحركة لهجتها تجاه السلطة، مثلما لم تصعد من قبل، سيدفع بها إلى “الحائط”، وتوظيف سلطاني عبارة “دورها الوطني” في هذا الوقت بالذات، يعني دعوة مبطنة منه للعودة إلى مبدأ المشاركة بدل القطيعة مع السلطة، باعتبار أن المرحلة السياسية الحالية تتطلب حذرا من توظيف مبالغ فيه للمعارضة، ولعبت حمس دورا شبيها أوائل أزمة التسعينات لما اختار نحناح الجنوح إلى “الدور الوطني” الذي تحدث عنه سلطاني اليوم، تحت طائل ظرف طارئ تمثل في الإرهاب وأدت الحركة خلاله دورا وطنيا، بالوقوف ضده.. لكن، هكذا إرهاصات حمسية بقطبي مقري وسلطاني، لم تشكل لدى رئيس الحركة هاجسا، في الظاهر، عندما يقول “إن الحركة لم تعرف استقرارا كما هي عليه الآن”.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: