الوحدة.. الحلقة المفقودة لدى التيار الإسلامي

+ -

 لم تستقر أحزاب التيار الإسلامي على صورة وحدة ثابتة، تشق بها الطريق إلى السلطة، بل إن الوحدة كحلم يراود وعاء هذا التيار، وجدت لها انصياعا ظرفيا كثيرا ما تعلق بالانتخابات، دون الثبات على التكتل في فضاء مهيكل بصفة رسمية.نشوة الوحدة بين أحزاب التيار الإسلامي، خرجت مرة واحدة من بوتقة الأحلام النظرية، إلى الواقع، كان ذلك قبيل تشريعيات ماي 2012، بإعلان التكتل بين حركة مجتمع السلم وحركة النهضة وحركة الإصلاح الوطني، والدافع للتوحد الانتخابي هذه المرة، كان من أجل وقف آلة التزوير وحصد الأغلبية في البرلمان، في مواجهة ترسانة الموالاة التي دخلت الانتخابات، مذعورة من إرهاصات ثورات الربيع العربي، التي أفرزت انتخابات فاز بها الإسلاميون بكل من تونس ومصر والمغرب، لكن ذعر أحزاب الموالاة قابلته نشوة، لم تعهد لدى أحزاب التيار الإسلامي، التي رأت نفسها تعتلي سدة الحكم في الجزائر، حتى قبل أن تعلن نتائج الانتخابات. “الربيع العربي”قبيل تشريعيات ماي 2012، أدلى الأمين العام للأفالان، عبد العزيز بلخادم، حينها، بتصريح مثير جدا، وانعكس على شخصه، نقدا واسعا، رغم حصده أكثر من 220 مقعد، وقال بلخادم قبل إعلان حصاد التشريعيات “إن الإسلاميين مرشحون لنيل 40 بالمائة من مقاعد البرلمان”، وكان تصريح بلخادم جرعة أخرى، لدى أحزاب التيار الإسلامي التي تكتلت لاحقا في “الجزائر الخضراء” وأقام الرجل الحجة لديها، أنه إن حصدت هذه الأحزاب أقل من ذلك، بمعنى أن الانتخابات طالتها يد التزوير، أو أن التشريعيات جهزت لها محاصصة، في انتظار التصويت الشكلي بمراكز الاقتراع، لكن رغم ذلك، قال أبو جرة سلطاني، رئيس حركة مجتمع السلم آنذاك، إن “الخضراء” سوف تحصد أكثر بكثير مما يتوقعه بلخادم من مقاعد، وبث التكتل الإسلامي رعبا لدى أحزاب التيارات الأخرى، التي لم تجرب من قبل، ما قد تفرزه الصناديق إن تحالف التيار الإسلامي.انقسام الإسلاميين ليس وليد مرحلة التعددية التي أفرزت حركة المجتمع الإسلامي بقيادة الراحل محفوظ نحناح، وحركة النهضة التي كان يقودها عبد الله جاب الله، وأفرزت أيضا الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لعباسي مدني وعلي بن حاج، وإنما يعود لزمن العمل السري، وتحركات طلبة الجامعات المنقسمين بين تيارات إسلامية، غير منسجمة في الطروحات. غير أن صورة الإسلاميين، لدى السلطة بالجزائر، ارتسمت في “كادر” الفيس المحل، من حيث ما تراه يمثل خطرا على “الجمهورية”، صورة مازال ممثلو هذا التيار يدفعون ثمنها إلى اليوم، وتظهر في كل مرة، في نتائج الانتخابات المتوالية، الخاضعة للتزوير كما يتهم هذا التيار السلطة، ولعل هذا ما كان، دوما، مستندا لموقف عبد الله جاب الله، عندما يسأل عن موقع الإسلاميين في الانتخابات، فيحيل إلى أن الانتخابات ليست مؤشرا على مكانة الإسلاميين طالما أنها غير نزيهة وبعيدة عن الشفافية، ولعل هذا أيضا ما يبرر إلحاح الإسلاميين على استحداث لجنة مستقلة للإشراف ومراقبة الانتخابات التي رفضتها السلطة، في الدستور الجديد. ويرى جاب الله أن التيار الإسلامي “مازال يشكل الأغلبية في الشارع في حال انتظمت انتخابات حرة ونزيهة، وهناك خريطة سياسية انفرد بها النظام لكن الأحزاب السياسية تتحمل كذلك المسؤولية في التقصير”.مقري ومساعي الوحدةفي الواقع، كانت نتائج تشريعيات 2012، نكسة للإسلاميين، في صورة تكتل الجزائر الخضراء، الذي ورغم ذلك، استكمل مساره داخل قبة البرلمان، لكن، الإسلاميين، وفي شكل “تضامن سياسي” أو وحدة ينقصها الترسيم، رفعوا بداية من 2013، وتيرة تحركاتهم في الجزائر، مستغلين فراغ ساحة سياسية، درج نشطاؤها على عدم التحرك إلا في شكل ردود فعل، دون مبادرات ناجحة، وحاولت الأحزاب الإسلامية استدراك خيبة الأمل في الاستحقاقات السابقة، من خلال تفاعلاتها مع الانتخابات الرئاسية لعام 2014، لاستخراج مرشح من وعائها، لكنها تراجعت تحتطائل “سوسبانس” قاتل، مرده التساؤل: هل سيترشح الرئيس أم لا؟وطغت خرجات الأحزاب الإسلامية على مشهد سياسي، صار رهين الترقب حيال الوضع الصحي للرئيس بوتفليقة وهو في فرنسا، لكن ممثلي التيار الإسلامي فضلوا الخروج من حالة احتباس عاشتها الساحة السياسية بسبب مرض الرئيس، إلى بعث حركية سياسية بالتوازي مع التغيير الذي شهده رأس حركة مجتمع السلم، بشكل يظهر عبد الرزاق مقري، “يقود” مساعي الإسلاميين للتباحث حول رؤية موحدة إزاء الرئاسيات.ولأول مرة، تنقل رئيس “حمس” إلى مقر حزب “جبهة العدالة والتنمية”، رئيسه عبد الله جاب الله، وفي أول لقاء تقارب بين التشكيلتين، بعد 20 سنة من المقاطعة، حيث وقّع جاب الله صكا ابتدائيا للمّ شمل التيار الإسلامي، في مسعى فشل في تحقيقه الجيل السابق للتيار، بينما ارتسمت صورة لدى الفاعلين فيه منذ عقود، تفيد بأن هذا التيار لا تقوم له قائمة إلا بلمّ الشمل، دونما يتخذ قادته خيارات بديلة طالما أن الهدف المنشود لم يتحقق.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: