+ -

 تعددت الأسباب والنتيجة واحدة، مزيد من الانقسامات والتفرقة بين مفردات التيار الإسلامي في الجزائر. بالنسبة إلى من تجرعوا مرارة التشتت، فإن هذا الأخير لا يزيد الإسلاميين إلا ضعفا، وخدمة لديمقراطية الواجهة التي ترعاها السلطة.. أما بالنسبة لمبرري الانقسام، فإنه آخر الدواء هروبا من تداعيات الاستبداد وفردانية الحكم.من خلافات الراحل محفوظ نحناح وعبد الله جاب الله وعباسي مدني والراحل محمد السعيد، إلى خلافات ورثتهم السياسيين، ما تزال نفس الممارسات والأسباب هي ذاتها، بسبب صفة التنزه عن الخطأ التي يلصقها بهم أتباعهم المقربون.وكانت أولى هذه الانقسامات، ما حدث في مطلع تسعينات القرن الماضي، عندما أصر عباسي مدني بالإعلان عن تأسيس “الفيس” المحل، لاقتلاع “مسمار جحا” آنذاك، المتمثل في نظام حكم الراحل الشاذلي بن جديد، في ظل رفض كل من نحناح وجاب الله، اللذين لم يجدا من وسيلة يفرملان بها “هروب” الفيس بما يعرف بالمشروع الإسلامي، إلا تأسيس حركتي “حمس” (حماس سابقا) و”النهضة”، قبل أن تنقسم هذه الأخيرة في 1999 بعد خلاف حول دعم ترشح عبد العزيز بوتفليقة للرئاسة خلفا لليامين زروال، ويضطر جاب الله لإنشاء حركة الإصلاح الوطني في ذات العام، التي افتكت منه من طرف من وقفوا إلى جانبه بعد انسحابه من “النهضة”، ما اضطره للمرة الثانية انتظار 2012 ليؤسس جبهة العدالة والتنمية بعنوان الإصلاح السياسي الذي فرضته ثورات الربيع العربي. حدث كل ذلك باسم الانفراد بالسلطة في الحزب، وغياب الشورى، والانحراف عن الخط. وكان على الجزائريين انتظار وفاة رئيس حركة “حمس”، محفوظ نحناح، ليقفوا على ما كانت تخبئه الأيام، فقد استشرت عدوى الانشقاقات فيها هي الأخرى، بداية من مؤتمر 2003، عندما عارض قياديون فيها فوز أبو جرة سلطاني برئاستها متقدما على حليفه الحالي عبد الرحمن سعيدي. ورغم محاولات التكتم عن الخلافات المتأججة، إلا أن عقد الوحدة انفرط وخرج كل قيادي مؤسسا حزبه الخاص. فظهرت إلى الساحة جبهة التغيير برئاسة عبد المجيد مناصرة، وأنشأ مصطفى بلمهدي حركة البناء الوطني، بالموازاة مع خروج عمار غول عن الجوق بتأسيس تجمع أمل الجزائر، لتقتسم بذلك تركة نحناح السياسية بين أقرب مساعديه، والسبب انحراف سلطاني ثم من بعده رئيس حمس الحالي عبد الرزاق مقري عن خط “الشيخ المؤسس”!ومثلما حصل في حمس، ها هما حركتا الإصلاح والنهضة هدفا للتجزئة، بعد استقالات جماعية لإطاراتهما، أو تهديد بالانشقاق، تغذيه استحقاقات انتخابية في 2017. لكن لماذا تستمر حالة الانقسام هذه؟ الجواب هو أن استمرار الوضع على ما هو عليه، ودخول الانتخابات متفرقين يعني نكسة يصعب الخروج منها بسلام، لأنها ستكون أكثر تعقيدا بالنسبة لأحزاب المعارضة قاطبة، وفي مقدمتها التشكيلات الإسلامية، كونها ستجري تحت مظلة قانون انتخابات يضيق الخناق عليها، ويوفر الفوز لأحزاب محددة.والمطلوب كي يتجنب الإسلاميون النكسة العمل المشترك والابتعاد عن خيار المقاطعة الذي لن يخدم مشروعهم ولا مشروع المعارضة مستقبلا، ويسهل مأمورية التعمير في الحكم أكثر لمن يتولونه منذ عقود.وفي هذا الصدد، يقال كلام كثير عن مستقبل تكتل الجزائر الخضراء، الذي يضم الثلاثي “حمس” و”النهضة” و”الإصلاح الوطني”، وإمكانية فضه بسبب هزالة نتائجه، علما بأن اختفاء هذا التكتل سيؤدي لا محالة إلى تفتيت المجزأ، في الوقت الذي كان يؤمل أن يوسع ليشمل أحزاب مناصرة وجاب الله وبلمهدي.ولا ينزعج الإسلاميون من تبرير تشرذمهم بخلفيات تاريخية تعود إلى عهد السرية التي انتهت بدخول البلاد عهد التعددية التي تميزت بانشقاقات حزبية.ومن التبريرات، أن الإسلاميين كغيرهم من التيارات والعائلات السياسية، هم تجربة بشرية يعتريها ما يعتري الآخرين من الضعف والقوة، ومن الهزيمة والنصر، ومن الوحدة والتفرق، وأن المشكلة ليست في التعددية الإسلامية السياسية، ولأن الإسلاميين ليسوا هم الإسلام في كماله، شرط أن التعدد (أو التشتت لدى البعض) ظاهرة صحية إذا كانت اختلاف تنوع وتكامل لا اختلاف تناقض وتخاصم مثلما هو حاليا.كما لا يمكن الحديث عن الاستفادة انتخابيا من أي تكتل للإسلاميين، وذلك بسبب التزوير، الذي يشوب الانتخابات، بشهادة أهل الاختصاص وضحاياهم، ومع ذلك فالتكتل يستطيع تجنيب تشتيت الأوعية الانتخابية للأحزاب الإسلامية، ويعطي نموذجا عمليا لإمكانية العمل المشترك بين الإسلاميين، بالرغم من حساسية الاستحقاقات السياسية والانتخابات، والتي يرى الإسلاميون أنفسهم، بأن حزبا واحدا يعجز عن تجنب الصراع عليها ونيل ما يتطلع إليه منها.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: