+ -

كل الدلائل تشير إلى اتجاه الوضع السياسي الجزائري إلى التعقيد أكثر مما هو معقد الآن. فالسلطة السياسية لم تعد تتحكم في شيء في البلاد سواء على الصعيد السياسي أو على الصعيد الاقتصادي. فالنظام السياسي وصل إلى حدوده ولم يعد باستطاعته مواصلة التسيير دون تعريض البلاد إلى مخاطر قد تكون عاصفة بالاستقرار والأمن العام.حل تجديد النظام لنفسه عن طريق الانتخابات الصورية لم يعد واردا، بسبب اهتزاز القاعدة الاجتماعية الانتخابية للنظام نفسه.. أي قاعدة تزوير الانتخابات بالأجهزة النظامية لم يعد ممكنا بعد الهوشة الحاصلة بين مؤسسات الدولة بخصوص مسألة النفوذ في إدارة الحكم، والصورة القاتمة التي تقدمها هذه “الهوشة” للرأي العام، هو ما يحدث في الأفالان أو “الغطاء الوطني للتزوير”. فأفالان سعداني انعطف بسياسة الحزب نحو المؤسسة العسكرية للمحافظة على الجيش كقوة اجتماعية انتخابية بديلة للشعب في تعيين الرؤساء والنواب والحكومة.. وبالتالي مواصلة ممارسة التزوير الانتخابي بعيدا عن إرادة الشعب الحقيقية. وسعداني يعرف، مثلما يعرف كل السياسيين، أن الأفالان لم تعد لها قاعدة شعبية، لهذا وجد سعداني نفسه مكرها لا بد على التعاطي مع الجيش. وهو ما فهمه خصومه في الرئاسة، على أنه مقدمة لهروبه بالأفالان خارج المدار الذي تريده الرئاسة في الرئاسيات المقبلة، والذي قد لا يتفق بالضرورة مع إرادة الأسلاك النظامية بقيادة الجيش. فأصبح سعداني بين مطرقة الرئاسة وسندان الجيش. ولهذا لاذ بالفرار إلى الخارج هروبا من اتخاذ الموقف المناسب في هذه العركة.. فمرة هو مريض في باريس، ومرة يتفقد عائلته المريضة هناك، ومرة يقضي عطلته في إسبانيا، ومرة أخرى يذهب إلى العمرة.. وهو الآن يريد الذهاب إلى الحج. والحقيقة هو يقوم بالهروب من الجزائر حتى لا يتعرض لعزلة وهو في حالة فرار باسم الغيابǃالوضعية التي وصلت إليها البلاد جعلت المؤسسة العسكرية هي القوة السياسية الوحيدة في البلاد التي يمكن أن يستنجد بها النظام لتفادي الانهيار الذي قد يؤدي إلى سيناريوهات الجمهوريات الجملكية العربية الماثلة أمامنا في عديد البلدان.قد يكون بوتفليقة قد نجح في خلخلة أركان النظام بهدف تغييره، لكنه لم يحضّر البديل المقبول. فالإسلاميون شيعا مزقتهم الانتهازية السياسية والأنانية المصلحية. والديمقراطيون فقدوا حتى لمعانهم الديمقراطي. وأحزاب الموالاة عصفت بهم ملفات الفساد. والجيش كقوة منقذة للبلاد هو الآخر يحمل أعباء ثقيلة قادمة من الذي حدث في البلاد منذ 20 سنة وزيادة.المؤسف أن الوضع أصبح بهذه الصورة القاتمة لا يسمح بإجراء انتخابات حتى ولو شكلية، كما كان حاصلا من قبل. والوضع نفسه لا يسمح حتى بحدوث مرحلة انتقالية بلا انتخابات يقودها الجيش دون أن تحدث مشاكل. هذا الانسداد السياسي هو الخطير، ولعله أخطر من الانسداد الاقتصادي الذي وصلت إليه البلاد بعد انهيار أسعار البترول. حتى الإجماع الوطني الذي يطرحه الأفافاس كحل أصبح هو الآخر لا يجدي، لأن الواجهة السياسية لهذا الإجماع قد تآكلت سياسيا ولم يعد بمقدورها فعل شيء للبلاد.

[email protected]

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات