+ -

هل فكرتم يوما في المصير الذي ستواجهه حساباتكم الشخصية في حال وافتكم المنية لا قدّر الله عز وجل؟ أو حان أجل أحد المقربين إليكم؟ هل فكرتم كيف تتعاملون مع ذلك؟ هل فكرتم فيما ستؤول إليه حساباتكم أو حسابات أقاربكم أو مَن هم أقرب الناس إليكم؟ إبقاء المكان لرثاء صاحبه واعتباره قبرا إلكترونيا له أم إغلاقه من طرف أهله وأقرب الناس إليه؟ هي تساؤلات وأخرى تتبادر إلى الذهن وتتصارع فيما بينها بنات الأفكار لتصل إلى نتيجة معينة. الأﻷن كلا منا لديه حساب أو أكثر على مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، سواء العالم الأزرق “الفايسبوك”، “تويتر”، “الواتس آب”، “أنستغرام” وغيرها من المواقع والحسابات الإلكترونية الأخرى التي لا تمر فترة إلا وظهر منها الجديد والحديث الذي يحمل في جعبته ما هو أكثر حداثة، نظرا للتطور والتسارع التكنولوجي الحاصل الذي تشهده الساحة الافتراضية سيما في السنوات الأخيرة.

أثناء تعاملنا اليومي مع أصدقاء لنا كانوا أو ممن خلقنا معهم صداقة وصحبة افتراضية في العالم الافتراضي من مختلف المناطق والدول العربية منها والغربية، ورغم المسافات البعيدة التي قربتها هذه الوسائل الاتصالية سريعة الدقة والسهولة والفعالية، ومن خلال تصفحنا اليومي أو الدوري لحساباتنا، نتفاجأ أحيانا بنشر خبر وفاة صاحب أحد هذه الحسابات، ومنها من تظل مفعّلة وسارية، وأخرى نصطدم بحذفها، وتغلق من طرف أحد أصدقاء أو عائلات المتوفين، وهو ما قد يرفضه البعض، فيما يتماشى ويتقبله البعض الآخر... حيث انقسم من تحدثت معهم “الخبر” في استطلاعها بين عدة آراء وتوجهات، بين من يحبذ تركه للذكرى، وبين من ينحازون لغلقه وحذفه نهائيا، تفاديا للحزن والألم الذي قد ينجر لاحقا كلما حاول أحد المتصفحين من أصدقائه المرور لتذكره عبر صفحته.وقصد التعمق أكثر في موضوع ما يسمى أو يطلق عليه بمصطلح “القبر الإلكتروني”، اخترنا توجيه أسئلة حول ماذا يحبذ أصحاب الحسابات الإلكترونية بعد وفاتهم فيما يتعلق بها؟ وهل فكروا في هذا الموضوع قبلا؟ وما مصيرها في حال تم طرحه عليهم؟ سيما وأنه صادفنا منهم من لم تراوده الفكرة ولم تخطر بباله حتى. لكن كل واحد منهم اختار لنفسه جوابا قد يكون نهائيا وقد يطرأ عليه تغيير في المستقبل؟سؤال محير.. قد يدفعنا لتحرير وصية في ذلكخلال بحث “الخبر” بين شرائح المجتمع على اختلاف أعمارهم، صبت معظم إجاباتهم وتصريحاتهم في قالب واحد وهو عدم التفكير قبلا فيه، وأنهم يجهلون ذلك من اﻷصل، لتكون أسئلة “الخبر”، حسبهم، بداية الطريق والخطوة اﻷولى للتفكير في مصير حساباتهم. ولنرى حقيقة كيف يتعامل الجزائريون مع ذلك، نزلنا إلى الشارع ومقاهي النت واﻷماكن العمومية وغصنا بين مختلف الفئات للتعرف أكثر على ما يمكن أن يقوله المعنيون في الشأن.“ب.البشير”، شاب في أواخر العقد الثاني من العمر، قابلته “الخبر” بإحدى مقاهي الأنترنت، تفاجأ بالموضوع وبالفكرة من اﻷساس، وهو ما بدا عليه للوهلة اﻷولى من تعابير وجهه ونبرات صوته، غير أنه ما إن جمع أفكاره أجابنا بقليل من التردد والتفكير العميق “لم أفكر به قبلا”، ولكن يقول: “نفضل نحذف حسابي ونوصي أقرب الناس ليا باش ايقوموا بالشي هذا بعد وفاتي”. ولم ينف المتحدث أنه لم تخطر بباله مثل هكذا سؤال أو موضوع في نهاية كلامه. فيما قال “جمال. س«، في العقد الخامس من العمر وجدناه رفقة صديقه الأربعيني، إن السؤال أربكه قليلا ولم يمر على باله أبدا، غير أنه يفضل أن يترك وصية ﻷحد أصدقائه أو زوجته لتلغي الحساب. فيما فضل صديقه “محمد.ر”، في أواخر الأربعينيات، أن يترك كلمة السر الخاصة بالحسابين اللذين يملكهما لدى ابنته الكبرى لثقته العمياء بها، سيما أن زوجته، حسب قوله، تجهل هذه التقنيات الحديثة وسيكون من الصعب عليها إغلاق الحساب أو التعامل معه، ويضيف محدثنا أنه بمجرد ولوجه المنزل سيحدث ابنته بالموضوع ويترك لها كلمة السر في رسالة تفتحها بمجرد وفاته، وما عليها سوى تحقيقها بغلق الحساب والترحم عليه والدعاء له.“سامية.ق”، في بداية الثلاثينيات من العمر، وجدناها بالقرب من أحد محلات بيع الملابس بباتنة بصدد الدخول، قبل أن نقاطعها ونسألها حول الموضوع، فلم تترد للحظة في الإجابة وتقديم نفسها على أنها تعمل في إحدى وكالات الاتصالات، ورغم امتلاكها أزيد من 06 حسابات مختلفة إلا أنه لم يخطر في تفكيرها هذا الأمر، وما سيحل بهذه الحسابات إن أصابها مكروه، لا قدر الله، خصوصا وأنها تنشر كل ما يخطر ببالها، وأن عليها التفكير مليا في مصير هذه الحسابات بقولها “نخمم روح لأختي نعطيها لي مود باس كامل..”، وهي تضحك بصوت متقطع، وتضيف “ولا نخليلها وصية في خزانتي بلي تحذفهم لي وما تخليلهمش حتى أثر باش مانديش ذنوب معايا”. “خ.ب”، شاب في منتصف العشرينات من العمر، لم يخف في حديثه مع “الخبر” أن كلمة السر الخاصة بحسابه، يملكها مسبقا 03 من أصدقائه المقربين وهم أنفسهم زملاؤه في العمل، يضيف محدثنا: “نخليلهم وصية باش يغلقوه.. ﻷنو فيه فيديوهات ﻷغاني وكلمات يمكن أنو نكون جرحت بها في وقت فات عباد، أو نكون غلطت مع كاش واحد، وعلى هذا نفضل أنو يغلق بدل ما نتحاسب على ما نشرته في يوم من اﻷيام”.الحساب المفعّل.. يذكّر أحباءنا بنا بعد الوفاة“سارة.ق”، شابة في بداية الثلاثينيات من العمر، قالت صراحة وبثقة أنها تفضل أن يبقى حسابها مفعلا على اﻷقل لكسب الحسنات بعد وفاتها بقولها “نخليه عادي على اﻷقل تكون صدقة جارية بعدما نموت... خاصة أن أصدقائي عندما يتصفحون ما نشرته قبلا من آيات قرآنية وأحاديث نبوية سأؤجر عليها وتكون هكذا صدقة”. وتضيف محدثتنا أنه وفي حال ما إذا كان المتوفى شخصا آخر تعرفه فهي تتمسك بذات الرأي دون تغييره، بعدم حذف حسابه والإبقاء عليه مفعلا، حسبها، ليظل اﻹحساس بوجوده وحضوره اليومي وبشكل عادي، وأنها ستقوم بالحديث معه كما تفعل عادة حتى وإن لم تتلق إجابات منه، غير أنها ستظل تواظب على ذلك لإيمانها بأنها تقوم بالعمل الصائب. وهو ما يريحها نفسيا ويخلق لها نوعا من الوهم بأن ذلك الشخص لا يزال على قيد الحياة وهو موجود بمخيلتها يحاكيها وترد عليه والعكس، ولا يهمها إذا كان رأيها يدخل في خانة اللامعقول لبعض الناس.. ﻷنها تفضل الابتعاد عن فكرة أنها لم يعد بمقدورها الجمع بينه وبينها في حديث واحد أو تبادل الأفكار والمواضيع.يقول “ص. رابح” في الأربعينيات من العمر، إن الفكرة طرحتها زوجته لكونهما يتشاركان ذات الحساب وهو ما يريحه، دون شعور منها أنها توجه سؤالا له بقولها حسبه “واش رح دير بالفايسبوك ويلا صراتلي حاجة ولا دا ربي أمانته”؟ ليضيف محدثنا أنه تفاجأ وأجابها بأنه لم يخمن في ذلك قبلا، ولأنهما يملكان سويا كلمة المرور، فقد اتفقا بعدها بأن يتركاه مفعلا للذكرى. ومنذ هذا الاتفاق حملا على عاتقهما نشر كل ما يرغبان فيه ليبقى بذلك، حسبه، شاهدا على كل ما يشعران أو ما يحدث معهما من مسرات أو ما يحزنهما. ويواصل كلامه “بحمد الله تعالى، إنه متفق وزوجته بشكل كبير لتقارب أفكارهما وطريقة التربية التي تلقيانها، وﻷنهما باﻷساس أبناء عمومة، وأسرتهما متجاورتان في نفس الحي منذ الصغر”.“إسحاق.م”، البالغ من العمر 17 عاما، قطعنا خلوته بالفضاء الأزرق الخاص به بأحد الحواسيب، في زاوية في أحد مقاهى الأنترنت، والذي تفاجأ بالسؤال، ولم يحاول أن يخفي تعجبه من الموضوع، وبكل روح رياضية قال إنه يفضل أن يتركه مفعلا للذكرى ولا يريد أن يتم غلقه بعد وفاته، ﻷنه بمثابة مقام ومنبر يتواصل عن طريقه بأصحابه في مختلف الدول وليس بالضرورة أن يغلق أو تكتب عبارة “إنا لله وإنا إليه راجعون”، ثم يحذف بعدها الحساب، هو أمر رفضه محدثنا، واعتبر أنه من اﻷفضل أن يترك على حاله، ويوصي أصحابه بذلك، وبنشر ما تعوّد رفقتهم بنشره، بشرط أن يكون ذلك كصدقة جارية على روحه.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات