“غلق الصناديق الخاصة سيقلل من الفساد”

+ -

اعتبر جيلالي حجاج، رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد، قرار الحكومة بغلق مزيد من الصناديق الخاصة بمثابة مؤشر واضح على استفحال الأزمة المالية التي تضرب الجزائر منذ 2014، مشيرا في مقابلة مع “الخبر” إلى أن هذه الصناديق تخضع للتسيير المباشر من قبل الوزراء “في ظل غياب تام لمعايير الشفافية والرقابة”، الأمر الذي يجعلها أحد أهم “بؤر الفساد”، وذلك بالنظر إلى ضخامة الأموال التي تحتويها.أوضح حجاج أن أهم ما يجلب الاهتمام فيما يتعلق بالصناديق الخاصة، والتي يبلغ عددها حاليا 60 صندوقا، هو “طريقة تسييرها السيئ جدا” دون أن تتحرك السلطة التنفيذية لتدارك ذلك، مشيرا حول هذا المسألة إلى مراسلات بهذا الخصوص بعثها إلى الوزير الأول من قبل.وأبرز ذات المتحدث أن الوضع المالي للجزائر لم يعد يحتمل التعامل مع المال العام بهذه الطريقة، خاصة أنه يوجد من بين الصناديق القائمة، 20 صندوقا لم تستهلك من مواردها إلا 10 بالمائة، علما أن إنفاق ما فيها من أموال لا يتم وفقا للمسار الرقابي المتبع مع الميزانيات القطاعية والوزارية، أي بعد المرور على وزارة المالية وقبل ذلك المراقب المالي للوزارة والخزينة العمومية، بل هناك من الوزراء من يتصرف في الملايير دون أني يقدم أي تفاصيل أو تبريرات عن الوجهة التي تأخذها هذه الأموال.وحسب جيلالي حجاج، فإن “الرأي العام الوطني والدولي”، في إشارة إلى الهيئات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، “لا يعرفون بالتدقيق قيمة الأموال المخزنة في هذه الصناديق حيث تظل غير معلومة، لكن الأكيد أنها تقدر بمئات المليارات”.صناديق وفسادويربط حجاج بين هذه الصناديق وتفاقم ممارسات الفساد في الجزائر، وهذا لغياب الشفافية في تسييرها وغموض الغاية من وراء إنشائها، وعدم وجود أي تقارير تشرح عملية الإنفاق من عدمه، مشيرا إلى أنه بإمكان الجزائر أن تستفيد من هذه الأموال المكتنزة، في حال عدم إنفاقها، في تمويل الاستثمارات المتوقفة بفعل التقشف. كما أن الصناديق الخاصة، كما ذكر حجاج، غير مشمولة بقوانين المنافسة التي تفرض التعامل بالمناقصات في تمويل الصفقات.وبرأي حجاج، فإن أكبر إشكال يطرح حول هذه الصناديق، هو إيكال تسييرها مباشرة إلى الوزراء، ما يحد بشكل كبير من عمل المفتشية العامة للمالية المنوطة بها عملية المراقبة، لأنها “تتحرج” من أداء عملها لما يتعلق الأمر بوزير في الجمهورية.وما اضطر الحكومة إلى التخلص مما تبقى من صناديق، هو التراجع المخيف لأسعار البترول منذ جوان 2014، وتداعيات ذلك على إيرادات الدولة، التي تواجه عجزا في إدارتها جراء تزايد سقف المطالبات الاجتماعية وتنوعها، مقابل انخفاض في معدلات الفساد، بسبب العلاقة الطردية بين الفساد وكثرة الأموال، لكن ذلك سيكون ظرفيا فقط، إن لم تفعّل الإرادة السياسية في مكافحة الفساد، بغض النظر عن الظروف المحيطة بميزانية الدولة.إيجابيات وسلبياتويرى حجاج أن الصناديق الخاصة ليست اختراعا جزائريا، فهي موجودة في كل الدول وتستعملها في حالات استعجالية، مثل الكوارث ومواجهة النفقات الطارئة، ويتم التنصيص عليها في قوانين المالية.ويشار إلى أن من الصناديق الشهيرة في الجزائر، صندوق الوقاية من حوادث المرور وصناديق وزارة الصحة على سبيل المثال والموجهة لمكافحة آثار التدخين والسرطان واستيراد الأدوية والمستلزمات الطبية الخاصة والاستعجالات.وما يثير القلق في هذا الجانب، هو تفضيل الوزير اللجوء إلى استهلاك أموال الصندوق الخاص على استعمال الميزانية الخاصة بقطاعه، مبررا ذلك بالطابع الاستعجالي لقراره! ما يفتح الباب أمام العديد من التأويلات والتخوفات حول أوجه صرف المال، وهو ما تضمنته تقارير مجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية وحتى الديوان المركزي لقمع الفساد، والتي اعتبرت من طرف الوزارة الأولى بمثابة إنذار.مطلب الشفافيةبالنسبة لجمعية مكافحة الفساد التي يترأسها جيلالي حجاج، فإنه ينبغي على الوزير الأول، عبد المالك سلال، الأخذ بالاعتبار إرفاق قوانين المالية بإصدار نصوص تطبيقية تحدد أوجه إنفاق أموال الصناديق الخاصة، بالإضافة إلى مطالبة المسؤولين عنها بتقديم كشف حساب واضح ودقيق حول المجالات والأسباب التي كانت تستوجب اللجوء إلى أموال هذه الصناديق، وغلق تلك التي لم تعد ذات جدوى. ولا يستغرب ذات المتحدث وجود يد للهيئات المالية الدولية في قرار الحكومة غلق ما تبقى من صناديق خاصة، مشيرا في هذا الصدد إلى صندوق النقد الدولي والبنك العالمي وحتى منظمة التجارة العالمية التي تطالب بتسليط رقابة صارمة على أموالها التي تعد ميزانية موازية مجهولة القيمة لميزانية الدولة المعنية.عين على الصناديق السوداءوليست الصناديق الخاصة وحدها التي تدعو إلى القلق والشك. فهناك الصناديق السوداء الموجودة على مستوى الوزارات وبين أيدي الولاة، وهي عبارة عن مبالغ مالية نقدية، اقتبست الحكومة الجزائرية العمل بها من الإدارة الفرنسية، التي قطعت أشواطا للتخلص منها نظرا لانعدام الشفافية في طرق العمل بها، والتي يلجأ إليها الولاة والوزراء لتسديد فواتير حفلات الاستقبال والمصاريف الاستعجالية ودفع مكافآت وجوائز مالية لإطارات ومستشارين، نظير ما يكونون قد بذلوه بعنوان مجهودات استثنائية في إطار القيام بمهامهم!

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: