+ -

لا تعكس تلك الصورة النمطية للوزراء وهم بالمجالس الرسمية، بالضرورة، توافقهم على كل الملفات المطروحة على طاولة النقاشات، فهؤلاء الذين يظهرون في الصورة، كالإخوة، الذين ينسجمون مع بعضهم، في إدارة الشأن العام، كثيرا ما لا تجد لهم انسجاما في الميدان، بدليل خرجات وزراء يتراشقون فيما بينهم، بدءا من ملف “دنيا بارك” والتصريحات المثيرة للوزير نوري، إلى مواقف شبيهة، تتخللها العلاقة بين أعضاء الطاقم الحكومي، فيما بينهم، وهي علاقة تحكمها ملفات خلاف، إذا كانت في السابق تحتكم إلى “السر المهني”، فإنه ومنذ فترة، أصبح يجهر بها أمام الكاميرات في الجولات التفقدية الميدانية، في ظل تراجع لافت للتضامن الحكومي الذي يدعو إليه الوزير الأول، عبد المالك سلال. فهل يدخل التراشق بين الوزراء في صميم مسؤولياتهم، أم أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات؟“التناطح “ بدل التضامنوزراء أم فرقاء! تراجع التضامن الحكومي، بشكل لافت، بين وزراء حكومة عبد المالك سلال الخامسة، التي جاءت بناء على التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس بوتفليقة شهر جوان الماضي، كما الحكومة التي قبلها، رغم أن سلال، أول ما دعا إليه، خلال الإعلان عن الحكومة الرابعة يوم 14 ماي 2015، أن تتضامن الحكومة فيما بينها “لإنجاح برنامج الرئيس”، بالتوازي مع ظهور البوادر الأولى لانعكاسات تدهور أسعار النفط على الاقتصاد الوطني والجبهة الاجتماعية.تسببت أسعار النفط المتهاوية في ظهور مؤشرات تفكك “عرى” التضامن، بين وزراء حكومة عبد المالك سلال، بشكل لافت، وتحول الانسجام الحكومي، الذي فرضته عوامل خارجية بالدرجة الأولى، تتعلق بالتشبث بكل ما من شأنه تجنيب البلاد فوضى اللاأمن، إلى “انفراد” وزاري، ترك خلاله، الوزراء في عراكات مع قطاعاتهم، وجدت لها تداخلا، في أحايين عدة، مع قطاعات لوزراء آخرين. هذا التداخل، شكل شماعة مناسبة لبعض الوزراء لتعليق فشلهم، ومحاولة تصدير الفشل لبعضهم البعض، في غياب “حاسم” أكبر، يضع كل طرف أمام مسؤولياته، مثلما تنامت ظاهرة التراشق بين وزراء جدد وراحلين من الحكومة بخصوص نمط تسيير الملفات بالقطاعات التي يتداولون عليها.خطاب سلال.. والواقعما قاله الوزير عبد الوهاب نوري، وزير السياحة، في ملف “دنيا بارك”، في علاقته بوزير القطاع السابق، عمار غول، يطرح تساؤلات عدة، بشأن إن كانت الإجراءات القانونية ستأخذ مجراها، وهل يعاد النظر في قوائم المستفيدين من المساحات العقارية التي تحدث عنها نوري؟ وخارج تفاصل الملف، فإن التناطح بين الوزراء الحاليين، أو بين الوزراء الحاليين والوزراء الراحلين، يؤشر على أن التضامن الحكومي لم ينكفئ فقط بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، ولكن التضامن المفترض تحوّل إلى سجال حكومي، مدّد المسافة بين القطاعات الوزارية، التي دعاها الوزير الأول، خلال التعديل الحكومي الأخير إلى التضامن والتكاتف من أجل تسيير المرحلة الاقتصادية الحساسة التي تمر بها البلاد، جراء انكماش موارد الخزينة العمومية، علاقة بتدهور سعر البرميل، واقتصر التضامن الحكومي، أو بالأحرى “الرسمي”، وإن كان ضئيلا، في الترويج للقرض السندي الذي أطلقته وزارة المالية، في فترة عبد الرحمن بن خالفة، في إطار تضامن “المواطنين والشركات” مع الحكومة للتخفيف من حدة الأزمة.بن غبريت المحظوظة لكن، حتى هذا الملف، كاد يثير حساسية بين وزير الشؤون الدينية، محمد عيسى، وبين وزير المالية، بسبب “عدم تلقي وزارة الشؤون الدينية طلب فتوى حول القرض السندي، عندما شكك قطاع واسع من الجزائريين، في كون القرض السندي “حراما”. بينما وقع الوزير الأول، عبد المالك سلال، تضامن حكومته مع وزيرة التربية، نورية بن غبريت، في فضائح تسريب أوراق امتحانات البكالوريا، 2016، وأعلن سلال صراحة وقوفه إلى جنب الوزيرة، عندما تعالت تخمينات ترجح رحيل بن غبريت. بن غبريت لم ترحل، لكن وزير التجارة، عمارة بن يونس، رحل عن حكومة، لم يكن سهلا عليها، أن تصحو على قرار حاسم إزاء ملف تحرير بيع الخمور الذي أثار جدلا واسعا، العام الماضي، رغم أن وزير الشؤون الدينية “تضامن بصمته مع زميله بن يونس”، عندما رفض أن يقحم قطاع الشؤون الدينية، في جدلية القبول أو الرفض إزاء تحرير بيع الخمور، ولقي محمد عيسى، انتقادات واسعة من طرف الإسلاميين، لعدم وقوفه جنبهم في حربهم على الخمور، بينما قدم الوزير الأول، على أنه أكثر “تديّنا” من الوزير عيسى عندما أعلن تراجع الحكومة عن مشروع بن يونس، الذي رحل عن طاقم سلال بعد أسابيع قليلة.حروب الإخوة الأعداء وخارج الحكومة، شهدت الساحة السياسية جدالات عدة، بين مسؤولين كبار في الدولة، فقبل تعديل الدستور، اختزلت تناقض تصريحات الوزير الأول، عبد المالك سلال، ومدير ديوان الرئاسة، أحمد أويحيى، بخصوص جاهزية وثيقة المراجعة الدستورية من عدمها، وكذلك تشخيص آثار انهيار أسعار البترول على الاقتصاد الوطني، وعلى عموم الشعب اجتماعيا، صورة بلد، لم ترسو سفينتها على مرفأ معلوم، وارتباك في تسيير بدايات أزمة، حيث تهجم أويحيى مرتين على أداء حكومة عبد المالك سلال واتهمها بممارسة الشعبوية وإخفاء الحقائق عن الشعب، ودعا أويحيى سلال إلى قول الحقيقة، والوضوح في تسيير الأزمة الاقتصادية، وذلك، تحت تأثير قانون المالية 2016، فقد وجد الوزير السابق، عبد الرحمن بن خالفة، نفسه في مواجهة نواب المعارضة وبعض من الموالاة، داخل البرلمان.ومثلما تراجع التضامن الحكومي، لم يسجل أن أحزاب الموالاة، تضامنت فيما بينها أو أنها تضامنت مع الحكومة، فما حصل بين الأمين العام للأفالان، عمار سعداني، وأحمد أويحيى، الأمين العام للأرندي، مبرر واضح على أن حكومة عبد المالك سلال، غير مسنودة سياسيا، وأكثر من ذلك، فإن سلال الذي تعرض للوخز، أكثر من مرة، من قبل مدير ديوان الرئيس، لقي نفس اللسعات من طرف عمار سعداني، وفي ملفات عدة. وإذا كان للتراشق بين “أفراد العائلة الواحدة” ما يبرره، من ناحية “الطموح الشخصي”، لكن، التصريحات المتناقضة بين المسؤولين، في ملفات ذات علاقة مباشرة بتسيير الشأن العام، ليس لها ما يبررها إذا تم التسليم بتواجد التضامن الحكومي فعلا، فالتناقض في تصريحات المسؤولين، سمة علقت بالمسؤولين منذ البدايات الأولى لما سمي بثورات الربيع العربي، وهي نتاج احتراز وإقفال على المعلومة، كثيرا ما عكس (الاحتراز) ارتباكا في إدارة الملفات الأكثر حساسية، تماما كما حدث خلال اعتداء تيڤنتورين، جانفي 2013، من حيث أكد وزير الداخلية آنذاك، دحو ولد قابلية، أن من قام بالهجوم جزائريون ينتمون لمنطقة الجنوب، ولم يأتوا لا من مالي ولا من ليبيا، لكن، سرعان ما قدم وزير الاتصال السابق، محمد السعيد، تصريحا قال فيه إن الاعتداء بمثابة عدوان خارجي شارك فيه إرهابيون متعددو الجنسيات. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: