"مرض بوتفليقة أضعف وظيفة التحكيم بين الوزراء"

+ -

يعتقد المحلل السياسي، رشيد قريم، أن مرض الرئيس بوتفليقة أضعف بشكل كبير من قدرته على المتابعة وفرض الانسجام بين الطاقم الحكومي، وهو ما ترك هامشا أكبر للوزراء في التصرف، أدى إلى ظهور خلافات بينهم. ويخوض قريم في هذا الحوار لـ”الخبر” في طبيعة هذه الصراعات.كيف قرأت تصريحات الوزير نوري التي تحمّل وزراء سابقين قضايا فساد في قطاع السياحة؟ لا أعتقد أن الوزير عبد الوهاب نوري يريد تصفية حسابات سياسية مع الوزير السابق عمال غول. كل ما في الأمر أن هذا الوزير وجد نفسه أمام قضايا تبديد العقار في مشروع “دنيا بارك”، فتحدث عنها لتبرئة ذمته بخلفية تقنية محضة، لأن هذا الوزير لم يعرف عنه دخوله في صراعات سياسية، فهو ليس متحزبا ويؤدي عمله وفق منطق إداري صرف، والأهم أن لا وزن سياسي له من أجل بناء قراءات سياسية على تصرفه.أنت تخالف من يعتقد إذن أن هذه التصريحات كانت موجهة ضد الوزير السابق عمار غول؟ أظن أن عمار غول لا يزال محميا من النظام، بدليل تعيينه في مجلس الأمة سيناتورا، أي إبقاؤه تحت حماية الحصانة بعد خروجه من الحكومة، ولو أريد فعلا إخراج ملفات هذا الوزير السابق لما عيّن في هذا المنصب. النظام في الجزائر يحمي رجاله، وخير دليل على ذلك ما حدث للوزير غول الذي في كل قطاع يشرف عليه إلا وتظهر قضايا فساد، ومع ذلك استمر في الحكومة لأطول مدة ممكنة.تنفي وجود خلفية سياسية في تصريحات نوري.. لكن هناك عدة نماذج لوزراء يهاجم بعضهم بعضا، مثلما حدث مع وزير الصناعة بوشوارب ووزير التجارة السابق عمارة بن يونس في السابق.. ألا يدل ذلك على وجود صراعات بينية بين الوزراء؟ الخلاف بين بوشوارب وبن يونس يعبر عن نوع آخر من الصراع في الجزائر. لا أعتقد أنه يتعلق بمسألة الحكم أو عدم التفاهم بين العصب، ولكنه خلاف على مصالح فقط.. هذه المصالح ليتها ترتبط بالجزائر، ولكنها تتعلق بأجانب يريدون مزيدا من النفوذ والمشاريع داخل البلاد. الوزير بوشوارب قام منذ تنصيبه بخيار من أجل فرنسا، وهو المدافع الأول عن مصالحها في الجزائر، وهذا هو سبب خلافه في اعتقادي مع بن يونس حول مصنع “بيجو” قبل زيارة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند.عدا ذلك، ما هي الخلافات التي وجدت فيها رائحة صراع سياسي بين الوزراء؟ ليس بالضرورة داخل الحكومة، أحيانا داخل النظام بشكله الأوسع نجد هذه الخلافات التي تنم عن صراع بين العصب. ما حدث بين عمار سعداني، أمين عام الأفالان، وقائد المخابرات السابق مثلا.. كذلك الاتهامات التي وجهها سعداني لمحافظ بنك الجزائر السابق تدخل في هذا الإطار.هل في اعتقادك أن مرض الرئيس بوتفليقة وغيابه هو الذي أفقد هؤلاء الوزراء البوصلة؟لا أعتقد أن القائد غير موجود ولكنه في أغلب الأحيان غائب. لكن من حين لآخر نرى تدخله في أمور حاسمة، فمثلا الوزيرة نورية بن غبريت حصلت مؤخرا على دعم الرئيس في مواصلة الإصلاحات التي تقوم بها داخل وزارتها، ولولا هذا الدعم لما استطاعت الاستمرار بسبب حدة الهجوم والمعارضة التي تواجهها. إصلاح التربية مسألة حاسمة، لذلك يبدو تدخل الرئيس مقصورا فقط على الأمور الأساسية التي تستدعي منه ذلك.أليس مفترضا من الوزراء أن تجمعهم علاقة التضامن الحكومي التي تجعلهم يمتنعون عن ضرب بعضهم بعضا؟ التضامن الحكومي هو مبدأ فقط. لكن في كل العالم تتغلب الطبيعة الإنسانية على الوزراء وتظهر الخلافات بينهم. انظر مثلا إلى ما يحدث في فرنسا بين وزير الاقتصاد، مانويل ماكرون، والوزير الأول مانويل فالس، أو ما حدث في السابق مع وزيرة العدل كريستيان توبيرا، وحتى في بريطانيا وبلجيكا وغيرهما من الدول يحدث ذلك. المشكل أن طبيعة الصراعات الموجودة عندنا ليست على أفكار أو مبادئ، ولكن بسبب ولاءات ومصالح ضيقة داخل النظام نفسه.من هو الذي يفترض فيه أن يكون حكما بين الوزراء حينما تشتد بينهم الخلافات؟ التحكيم بين الوزراء هي مهمة الوزير الأول ثم الرئيس في الأخير. المشكلة أن الرئيس بوتفليقة في ظل وضعه الصحي لم يعد قادرا على تتبع كل ما يجري من حوله. وهذا كان له انعكاس على تصرف الوزراء الذين باتوا يشعرون بأكثر حرية في التصرف والتعامل واتخاذ القرار، وأحيانا إبداء خلافاتهم بشكل علني مع زملائهم في الحكومة. هذا الواقع لم يكن موجودا في السابق، فكان كل من يغرد خارج السرب يتخذ في حقه قرار فوري، ونتذكر جميعا ما حدث لوزير الاتصال السابق عبد العزيز رحابي عندما خاطبه الرئيس في اجتماع مجلس الوزراء بالقول “أنت مقال”.ألا تعتقد أن هذا الوضع يعطي صورة سلبية عن الحكومة بالنسبة للمواطنين؟ الصورة السلبية موجودة بسبب عدم القدرة على حل مشاكل المواطنين وإحداث التنمية في البلاد. أما بالنسبة لخلافات الوزراء، فأعتقد أن الحد الأدنى من الانسجام على مستوى الشكل موجود وليس المضمون طبعا. الوزير الأول عبد المالك سلال في ظل غياب الرئيس استطاع التحكم إلى حد ما في طاقمه بالنسبة لأغلبية الوزراء. وهناك نوع آخر من الوزراء يتجاوزونه بسبب طبيعة مهامهم وطبيعة النظام التي تفرض أن يكون المقابل هو الرئيس أو محيطه، مثل نائب وزير الدفاع، ڤايد صالح، أو وزير الخارجية، رمطان لعمامرة.

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات
كلمات دلالية: