+ -

تخرج البلديات الساحلية في ولاية وهران، وغيرها من ولايات الوطن، كل صيف خاسرة، رغم أن الخزينة العمومية توفر لها كل سنة ميزانية خاصة لتحضير موسم الاصطياف. ففي وهران، خصصت الولاية مبلغ 16 مليار سنتيم لتحضير الموسم. وفي قابل الأيام، ستخرج البلديات على الناس بمحصلة نشاطاتها الصيفية، وهي أرقام ضخمة، ليس قيمة مضافة حققتها، بل أرقام عدد المصطافين الذين قصدوها. أرقام لا أحد يستطيع التأكد منها.

 كان من المفروض أن يستفيد المصطافون من خط بحري، ينقلهم من ميناء وهران إلى شاطئ الكثبان بمدينة عين الترك، بهدف تخفيف حركة المرور. هذا الخط الذي حرص عليه الوزير عمار غول، لم ير النور، وغادر الوزير السياحة إلى مجلس الأمة، ومعه تعاظمت متاعب حركة المرور على المصطافين في وهران وكذلك سكانها، بعد الانهيار الذي طرأ بداية شهر أوت في أحد أهم الطرقات المؤدية إلى الساحل الغربي للولاية.تنهي البلديات الساحلية في الجزائر مواسم الاصطياف خاسرة، كل سنة، لأنها لا تعتمد سياسات اقتصادية. فكل ما تخصصه لها الخزينة العمومية تستهلكه في إصلاح الإنارة العمومية وصباغة الأرصفة، وإيهام الناس أنها نظفت الشواطئ ومحيطاتها. ولا تعتمد سياسة استثمارية لتلك الأموال. وفي الحقيقة لا يهتم المنتخبون المحليون ولا الإداريون بالمردودية في موسم الاصطياف، يهمهم فقط تضخيم الأرقام التي تنشر في نهاية الموسم حول عدد المصطافين الذين زاروا بلدياتهم، لتظهر أنها نجحت في مهمتها الصيفية بأرقام مليونية لا يصدقها العقل. ففي ولاية وهران، لا يستبعد أن يبلغ عدد المصطافين هذا الموسم 15 أو 16 مليونا. بعد أن تم الإعلان الموسم الماضي عن 12 مليون مصطاف.ولا أحد يعرف من أين تخرج هذه الأرقام، التي تتنافس الولايات الساحلية على نشر أضخمها، حتى يخيل لك أنه يوجد في الجزائر شعبان اثنان في الصيف. الشعب الأول ملقى على رمال الشواطئ، والشعب الثاني يجثم في مدنه وقراه يكابد يوميات مملة. فإذا كانت تلك الأرقام صحيحة، فهذا يعني أن ولايات مستغانم وتلمسان وجيجل وسكيكدة وحدها استقبلت كل الجزائريين الـ40 مليونا الذين تضمهم الجمهورية، حسب آخر إحصاء للسكان. وأن تندوف وإليزي وبشار ووادي سوف والبيض وبرج بوعريريج هجرها سكانها كلهم إلى الشواطئ. فعلى افتراض أن الـ40 ألف سرير التي تضمها الحظيرة الفندقية في ولاية وهران كانت كلها محجوزة طيلة الشهرين الماضيين، نحصل على رقم يقارب مليونين ونصف مليون غرفة تم حجزها في الشهرين الماضيين. وهو ما يعني في قاموس الأرقام لمعدي إحصاءات الصيف 2.5 مليون مصطاف، دون أن يبحثوا إن كان واحد أو عشرة أو ألف من هؤلاء الحاجزين في الفنادق قضوا أكثر من يوم وليلة.وفي المجال الاقتصادي، لا يعرف أحد كم هي مداخيل بلديات دائرة عين الترك الساحلية، على الأقل من علاوة الإقامة في الفنادق التي يدفعها المصطافون الذين يقيمون فيها ضمن تسعيرات استئجارهم الغرف أو الإقامات السياحية. في الوقت الذي وردت أخبار عبر وسائل الإعلام أن بلدية العوانة بولاية جيجل حققت مداخيل قدرت بأكثر من 16 مليار سنتيم هذا الصيف. وهي التي لا تتوفر على ما تتوفر عليه دائرة عين الترك ببلدياتها الثلاثة من فنادق ومركبات سياحية. وهو في الحقيقة رقم قد لا يضاهي مداخيل “ملهى ليلي” واحد في هذه الدائرة.مشروع الخط البحري “مات” مع رحيل عمار غولبدأ الصيف في وهران بمهرجان كبير أشرف عليه الوزير السابق للسياحة عمار غول، في بداية شهر جوان الماضي، وزار مشاريع فندقية جار إنجازها، وأعلن أن مدينة وهران، بما صارت تتوفر عليه من فنادق ومنتجعات سياحية، ستحتضن في أكتوبر من السنة الجارية لقاء للمنظمة العالمية للسياحة. وعاين حينها مشروع فتح خط بحري بين ميناء وهران ومدينة عين الترك الساحلية. وهو المشروع الذي روّج له الوزير والسلطات المحلية كإضافة سياحية للمنطقة وذي منفعة عامة، كونه يخفف الخناق المروري عن طريق الكورنيش الوهراني.ومنذ البداية، رأى العارفون بخبايا تسيير المشاريع في ولاية وهران أن “حلم عمار غول” لن يتحقق، بالنظر إلى كون مشاريع إصلاح الأرصفة في شوارع المدينة تكاد تخلّد لعدم انضباط المقاولات المستفيدة منها، فما بالك بمشروع “يشق” البحر. وهو ما تجسد مباشرة بعد نهاية شهر رمضان وانطلاق موسم الاصطياف، عندما توقف الحديث عن مشروع الخط البحري. رغم أنه خصص له مرفأ بني صاف في ميناء وهران كمحطة إقلاع وعودة. إلا أن أشغال إنجاز مرفأ في شاطئ الكثباني لم تنطلق بتاتا.وفي نفس الميناء الذي كان من المفروض أن يحتضن محطة الخط البحري الداخلي، لم تستطع المؤسسة القائمة على تسييره حتى على توفير “ممر” يسهّل على المسافرين القادمين على متن بواخر أو المغادرين لوهران. وعاش المبحرون عبر ميناء وهران، هذا الصيف، “إهانة” جديدة، تتمثل في اضطرارهم إلى ركوب البواخر من باب المرأب المخصص للمركبات. لأن مؤسسة الميناء لم تعد تتوفر على ممر يسهّل على المسافرين مغادرة البواخر.أطول عطلة صيفية في العشريتين الأخيرتينومع ذلك، لم يتراجع زوار ولاية وهران من داخل الوطن وخارجه، كما جرت العادة في العشريتين الماضيتين. لكن هذا الصيف تميز عن سابقيه باستمتاع الناس بشهرين متتاليين للعطلة. على خلاف السنوات الماضية، التي كان رمضان يقطع العطلة الصيفية إلى نصفين. أو يقرض منها ثلاثة إلى أربعة أسابيع. هذه المدة التي استغرقتها العطلة الصيفية هذا العام، جعلت الناس تعتقد أن عدد المصطافين الذين اختاروا وهران تراجع. وذلك من خلال الضغط الذي انخفض على الفنادق والإقامات السياحية الساحلية، التي صار من الممكن الحجز فيها في أي وقت، باستثناء بعض المركبات الساحلية التي حافظت على نفس الضغط، وعددها قليل جدا. كما انتبه المصطافون، هذا الصيف أيضا، إلى ظاهرة جديدة في المدن الساحلية لدائرة عين الترك، وهي بقاء كثير من المساكن، التي تعوّد ملاكها على تأجيرها للمصطافين، فارغة ومعلقا على واجهاتها أرقام هواتف أصحابها ولافتات تشير إلى أنها للكراء. وبما أنه لا توجد في الجزائر مقاييس وآليات لقياس نجاح مواسم الاصطياف، يبقى “الخبز” المؤشر الوحيد الذي يمكن اعتماده لمعرفة حجم الاستهلاك في المدن، والذي قد يدل على ارتفاع عدد المستهلكين قياسا بسائر الأيام. حيث لوحظ هذا الصيف أيضا ندرة في مادة “الخبز” في مدينة وهران وكذلك المدن الساحلية. وهو ما يمكن اعتباره مؤشرا على أن عدد المستهلكين ارتفع، خاصة وأن المخابز لم تغلق في الصيف، كما لم تشهد الولاية ندرة في مادة الفرينة أو غيرها.“نهال” والانهيار يعكّران صيف الباهيةلكن صيف وهران تعكر هذا العام، رغم أنه انطلق بحفل كبير يتمثل في مهرجان الفيلم العربي، الذي تقلصت مدته، ولم يشهد “بهرجة” الطبعات السابقة. وعكرته أحداث كثيرة أولها قضية إكرام التي هجرت زوجها السيقلي في أمريكا. مع تلك الحادثة اكتشف الوهارنة “خطورة” القنوات التلفزيونية الخاصة، التي تأكدوا أنها لا يهمها إعلام المشاهدين بقدر إثارة غرائزهم ليبقوا “مصمرين” أمام ما تبثه من برامج. وتأكد ذلك من خلال الاهتمام الذي أولته تلك القنوات بعدها لقضية اختطاف وقتل الطفلة “نهال” وأوفدت مبعوثيها إلى وهران، والذين بدل أن يقدموا للمشاهدين معلومات وآراء مفيدة، راحوا يحرّضون الناس على التظاهر في الشارع. وبلغ الحد بأحد أولئك الموفدين العاصميين أن تحول إلى “منظم” و«مؤطر” للمسيرات المطالبة بتطبيق حكم الإعدام. وبقيت وهران منشغلة بقضية نهال مدة قاربت الأسبوع، وخشي الناس أن تتطور الأمور إلى “انتفاضة صيفية” لا أحد تنبأ لها أو حضّر نفسه لها. لكن كل الأمور عادت إلى طبيعتها بمجرد دفن المرحومة “نهال” ومغادرة الموفدين العاصميين للتلفزيونات وهران.ثم طرأ مشكل آخر أفسد عطلة الناس في وهران، وضيع أوقاتهم في الزحام المروري، وكشف أيضا “صرامة الإدارة العمومية” في تسيير ومراقبة التوسع العمراني للمدينة، وهذا عندما انهار جزء من الطريق الرابط بين المدينة وميناء وهران، تحت المشروع الترقوي لمؤسسة “عدن”. فقد وقع الانهيار في عز فصل الصيف، ما فرض إغلاق الطريق وتحويل حركة المرور إلى وسط المدينة التي اختنقت. لكن كان للانهيار فضل على وهران، وهو أنه كشف للناس وجود مسالك أخرى نحو عين الترك والساحل الغربي للولاية، وهو طريق الكورنيش العلوي، الذي تحولت إليه حركة المرور. في حين ستبقى المدينة منقوصة من أحد أهم شرايينها المرورية مدة أربعة أشهر، حسب تقديرات مديرية الأشغال العمومية. وسيكابد الوهارنة بعد مغادرة زوار الصيف مدينتهم تبعات ذلك الانهيار، الذي أثار مخاوفهم، لأنه كشف أن الوديان المردومة أسفلها مازالت تشتغل، وأنها قد تعيد ما فعلته في جسر زبانة. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات