المرأة المناضلة الوفية لأخيها الشهيد وزوجها الشاعر

+ -

 المجاهدة حمدي فاطمة الزهرة تحكي عن زوجها وعن أخيها البطل وعادة ما تنسى نفسها هي هكذا تعيش للآخرين وليس لنفسهاأتذكر جيدا أول يوم عرفتها، كان ذلك ذات يوم في بيتها الريفي البسيط بدشرة الضرابنية، التي عادة ما يكرمك سكانها بقهوة معبقة برائحة نبتة “الشيح” التي تشتهر بها المنطقة..  هي من مواليد 20 مارس 1935 بسيدي عيسى. هي تعيش إرهاص زوجها الشاعر سعيد بن اللبوخ الذي كتب الشعر في زنزانته عام 1958 وكان زعيما في قومه لن تنسى أبدا محطات تكريمها من طرف الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي في ذكرى يوم الشهيد في فيفري الماضي في الولاية الرابعة التاريخية المدية كلامها وحديثها مسكون بحكايات الماضي فقط.. تحكي عن المجاهدين.. تحكي عن فرحات عباس ومصالي الحاج.. وكيف عايشت مضامين تفاصيلهم النضالية وهي صغيرة.. لتنتقل وهي منتشية في حديثها معنا فرحا لحكاية أخيها الشهيد الرائد حمدي بن يحيى المدعو “حليم”، أحد قادة الولاية الرابعة التاريخية بالمدية. مثلما تحكي أيضا عن كفاح لها في مدرسة الحياة. وهي تسترجع الذكريات، يحلو لها أن تحيلك على شعر زوجها سعيد بن اللبوخ. تحكي ثقافة وشعرا وحكايات مختلفة.. وكنتُ وقتها ملزما كي أعيش معها حراك بوحها.. وكلماتها الجميلة.. وقصصها مع المجاهدين إبان الثورة التحريرية.. تحكي وهي تسترجع ذكريات من البوح والشعر والثورة.. شعر زوجها سعيد بن اللبوخ:جور عنا حمل النصارى راه ثڤلْما صبنا حيلات يا ربي كيفاهأنا قلبي ملفريسة راه هملظالي مدة نحوّس ما نلقاهبعيني شفت النار في لحمي تشعلنتلجى يا لطيف يا من شفيناهالكافر مقلول في قلبو مدقللا شفقة لا قال هذا الشي وعلاهيا مومن بركاك لينا واتاولما صدش محال ما خافش مولاه بن بلة ورفاقتو واش نمثل كلامهم في الجرنان بعد ان قريناه أرفد يا ديغول دوزانك خمّلْ الحكمة دلات يا عدو الله ...اذا حب الله وبقولو كملالحكمة لفرحات وعباس اسماه..تتذكر الشعر وتتذكر أيام الماضي وكيف كان زوجها يسعى كي يؤسس لعرف العائلة ولوالدته “الجبانية” رحمة الله عليها.. المرحومة الجبانية، حسب عمتي فاطمة الزهرة، أسهمت بشكل كبير في صقل تجربتها بتجارب كثيرة وبإضافات حياتية من زخم تفكير عائلة معروفة.. عائلة بيت اللبوخ التي عاشت كي تحمي المنطقة، وكي تثبت رؤى كانت بمثابة المحطات الأساسية التي ينبني عليها عرف اجتماعي برباط مقدس يؤسس للكينونة ولكل تفاصيل الحياة.. تتذكر كلمات زوجها بعد وفاة عجوزها، حيث يقول سعيد بن اللبوخ في والدته المرحومة الجبانية:بنت أما بركاك من كثرة تنواحْهذا الشيء تقدير ربي مولاناماذا قالو يا أما ملجياحوحشك طول لا من رجانابعيني حزموك يا سابق للماحْماذا عبد كثير قصد الجبانة ..الشعر حكاية جميلة في عرف عمتي حمدي فاطمة الزهرة. لكن حينما تجلس إليها تسعد أكثر وهي تسترسل في الحديث عن سنوات الثورة، حتى إنها تنسى نفسها تماما. وكانت مناسبة تكريمها مؤخرا، في الولاية الرابعة التاريخية بالمدية، من طرف الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي برئيسها توفيق ومان والمكتب الولائي للجمعية بالمدية ممثلا في سليمان قاصد، وكذا كل الأسرة الثورية في الولاية الرابعة دون أن ننسى مديرية الثقافة وجامعة المدية.. مناسبة استفزتها كثيرا لتعيد شريط حياتها وذكرياتها التي لن تقوى على نسيانها رغم تقدمها في السن. وكم كانت تتمنى، وهي تحدثنا، أن تكون قد عايشت ذكرى أخيها الشهيد حمدي بن يحيى المدعو “حليم”، حتى إنها ترى في شخصيات من أمثال الرائد لخضر بورڤعة، ويوسف الخطيب من الرجال القادرين على إعادة تاريخ أخيها الشهيد حمدي بن يحيى.. فهي مازالت إلى اليوم تحفظ حكاية أخيها عن ظهر قلب، وتعيش بحرقة حكايته، التي تتمنى من أن يكون لديها صورة معلوماتية عن تفاصيل استشهاد أخيها، وهي تشكر كثيرا مجاهدي الولاية الرابعة لخضر بورڤعة ويوسف الخطيب.. وإن كانت لم تلتقيهم لحد الساعة والذين عايشوا حياة أخيها البطل، وسبق وأن عاشت عبر ما يرويه لها الأبناء، عما تابعوه من حوارات ومن حصص خاصة، تمس بالخصوص حياة من عاشوا واستشهدوا في الولاية الرابعة التاريخية خاصة ما تعلق بحياة وسيرة أخيها البطل.. وهي لن تنسى كل من فكر في تذكرها، كي يتم تكريمها من طرف الجمعية الجزائرية للأدب الشعبي. حيث وفي ذكرى يوم الشهيد هذه السنة وفي 18 فيفري 2016، وفي جامعة المدية، تم تكريمها من أهل المدية.. فهي تشكر كل هؤلاء الذين بعثوا في روحها شعورا جميلا كي تتذكر شقيقها الشهيد حمدي بن يحيى، وكي يكون لها نافذة معنوية تحيلها على بطل شهيد تتمنى ألا تنساه وزارة المجاهدين وأن تعيد له الاعتبار.ورغم أننا في لحظة حاولنا أن نستدرج عمتي فاطمة للحديث عن نفسها، لكنها واصلت حديثها عن أخيها الذي درس في الجامع الأخضر، وفي جامع الزيتونة، وفي جامع الأزهر ودرس في العراق.. هي تتذكر حكايته وتتذكر تلك اللقطات التي عاشتها مع أخيها الشهيد في حي “السان كوري” بسيدي عيسى، حينما كان صغيرا.. تقول بفخر واعتزاز، كان واحدا من الأبطال الذين كانوا يكنون العداء لفرنسا. فرغم أنه في سن الثالثة عشرة سنة، فقد ساهم بطريقته في أن يقصف فرنسا بطريقته، حينما رابطت قوات الحلفاء بسيدي عيسى، حيث جمعت فرنسا ناس حي “السان كوري” وكذا سكان جنان عكيرمي، وحذرتهم تحذيرا شديد اللهجة كي لا يخبروا الأمريكيين وقوات الحلفاء بوجود الماء بخزان مائي محاذ لبيت العائلة المجاهدة بيت غماري أحمد بن سعيد، وقد عطش الجنود الأمريكيون وبحثوا عن الماء في سيدي عيسى لكن دون جدوى.. وهنا وبحنكة البطل، ذهب الصغير حمدي بن يحيى وبذكاء فيه العداء لفرنسا إلى القائد الأمريكي قائلا له: “أكيد أنتم تريدون معرفة أين يتواجد خزان الماء”، نهض الضابط الأمريكي من مكانه غير مصدق... “نعم.. نعم، وهل يوجد هنا ماء في سيدي عيسى؟.. فرنسا أخبرتنا أنه لا وجود للماء بسيدي عيسى”، فرد حمدي بن يحيى الصغير بكل اعتزاز “وزكارة في فرنسا”: “الفرنسيون الذين يحتلون بلادنا الجزائر يكذبون عليكم أنتم الحلفاء.. لكن يبدو أن فرنسا التي تريدون تحرير أراضيها من النازية هي تكرهكم.. الدليل أنها قالت لكل سكان الحي “السان كوري” والمطمر وسكان جنان عكيرمي.. لا تخبروا الحلفاء بخزان الماء”.ما كان عليه إلا أن دلهم على خزان الماء، وفي تلك الأمسية شرب الأمريكيون، واغتسلوا.. وتعلق الضابط الأمريكي بالصغير حمدي بن يحيى وكان يعطيه يوميا الهدايا والأكل بكل الأصناف، وكل ما كان يتواجد عند الحلفاء لا يبخلوا به عن الصغير حمدي بن يحيى، وأصبح صديقا لهم. ونبه الصغير الأمريكيين على ضرورة ألا يكشفوا اسمه للفرنسيين. وكان له ما أراد، إلى أن غادرت قوات الحلفاء إلى ليبيا، حيث كانت معركة العلمين بين رومل ومونت غومري.. بعدها قامت فرنسا بحملة مداهمة واعتقالات واسعة في صفوف سكان سيدي عيسى.. من أخبر الأمريكيين بوجود الماء ووجود خزان بجانب بيت غماري أحمد بن السعيد، العائلة المجاهدة في سيدي عيسى.. ولا أحد عرف وقتها أن مصدر الخطر ضد فرنسا جاء من البطل الصغير حمدي بن يحيى، حتى إنه لم يخبر عائلته إلا بعد مغادرة قوات الحلفاء..نعم، عشت مع عمتي فاطمة الزهراء للحظات حالمة.. عشت معها حكاية من زخم التاريخ.. هي والحمد لله تسعد بعودة النور إلى عينيها بعد عملية جراحية ناجحة، وهي التي عاشت 12 سنة لا ترى. تعيش سوداوية خانقة، لكن بياض رؤاها واستعادة حاسة البصر لديها جعلها تعيش حراك الحياة بلغة كلها معان جميلة.. تضع العلم الوطني فوق بيتها، وبكت عندما مزقته الرياح.. وفرحت يوم قاموا بتكريمها في المدية. وهي لا تنسى الشاعر الشعبي عمر بوجردة، العضو الوطني في جمعية الأدب الشعبي من سور الغزلان، الذي ساهم في تكريمها. ولا تنسى أنه في يوم أول نوفمبر الماضي أهداها علم الجزائر يرفرف في سماء بيتها وهي في قمة السعاد.سعيد أنني عايشت أياما ذهبية مع المجاهدة حمدي فاطمة الزهراء، هذه التي تعجبت كثيرا كيف بها وهي التي تملك الكثير من بيانات الثورة وهي أخت للرائد حمدي بن يحيى المدعو حليم، ولا تملك حتى منحة مجاهدين لا هي ولا زوجها المرحوم، هي تعيش من فضل ربي فقط.. ربي يحفظك عمتي فاطمة.. أنت المخلصة لوطنك دوما. حيث كثيرا ما تتشاجرين مع كل واحد يمس الجزائر بسوء. ورغم وضعيتها وظروفها الاجتماعية القاهرة في دشرة الضرابنية الكائنة ببلدية الحجرة الزرقاء ولاية البويرة، إلا أنها تعيش على وقع إرهاصات جميلة سبق وأن صنعتها عبر التاريخ.. هي رغم معاناتها ومعاناة الأبناء ورغم حالات الجحود.. لكنها دائما تستعين بالله.. وفي فمها كلمة دوما لا تبرح حياتها دخلت قاموسها الحياتي فكلمات: يفرّج ربي.. كاين ربي... ربي راه يشوف.. هي معان لجزائرية بطلة أخت أكبر رائد من رواد الولاية الرابعة التاريخية.. تحلم يوما كي يتم تكريم أخيها البطل، فهو قدم نفسه قربانا للوطن وللجزائر.عشت مع عمتي فاطمة حمدي على مدار ساعتين من الزمن، لحظات رائعة من فواصل التاريخ.. وكنت في داخلي أتساءل: كل هذا.. ولا تريد الكلام عن نفسها، بل لا تسعى كي تعيد تكرار نفسها عبر نرجسية ونفعية باطلة؟ هي من صنف مناضل يحب الجزائر بالقلب فقط، ولا يهتم أحيانا حتى بظروفه وصحته وحالته الاجتماعية، فهي ترى في الله أحسن مسعى لها ومعينا. 

مقال مؤرشف


هذا المقال مؤرشف, يتوجب عليك الإشتراك بخطة الممتاز+ لتتمكن من الإطلاع على المقالات المؤرشفة.

تسجيل الدخول باقة الاشتراكات